بيروت اليوم

تقرير أميركي ‘يكشف’ المتوقع للوضع اللبناني… ما مصير سعر الدولار والودائع في لبنان؟!

“”كتب علي نور الدين في المدن:

منذ بداية الأزمة الماليّة اللبنانيّة، واظب قسم الأبحاث الدوليّة في بنك أوف أميركا على متابعة تطوّرات هذه الأزمة، وتحديدًا من زاوية تتبّع احتمالات استرداد الدائنين من حملة سندات اليوروبوند جزءٍ من قيمة هذه السندات. في آخر دراسات المصرف، علّق التقرير على آخر المستجدات الماليّة في البلاد، رابطًا خروج لبنان من الأزمة بما سيجري على مستوى محادثاته مع صندوق النقد الدولي، وقدرته على تطبيق البرنامج الإصلاحي الذي يطلبه الصندوق. وفي السيناريوهات الثلاثة التي وضعها المصرف، اعتمدت توقّعاته على مآلات الانتخابات النيابيّة المقبلة، ونوعيّة التوازنات السياسيّة التي ستنتج عنها، وأثر ذلك على مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

بمعنى آخر، وحسب التقرير: ستتوقّف نتائج المحادثات مع الصندوق على نوعيّة السلطة التي ستنتج عن موازين القوّة في المجلس النيابي الجديد، وهذا ما سيحدد مستقبل المشهد المالي في لبنان.

السيناريو الأوّل: حصول تغيير في التوازنات السياسيّة
يرتكز السيناريو الأوّل، والذي يعتبر المصرف أن احتمالات حصوله قليلة، على فكرة حصول المعارضة والمجتمع المدني بكل تلاوينه على حصّة وازنة أو مقرّرة في المجلس النيابي بعد الانتخابات المقبلة في شهر أيّار، ما يمكن أن ينتج عنه حكومة أو سلطة إصلاحيّة قادرة على جذب الدعم الدولي. وهذا النوع من الحكومات، قد يتمكّن من الشروع بتنفيذ الإصلاحات التي يريدها صندوق النقد، وهو ما سيساهم –مع الدعم الدولي- بتسهيل مهمّة دخول لبنان في برنامج صندوق النقد. وإذا دخل لبنان هذا المسار، فمن المتوقّع حسب التقرير أن تستعيد البلاد في المستقبل التدفقات النقديّة الوازنة التي نعمت بها في الماضي، وهو ما سينعكس ارتفاعاً كبيراً في قيمة الليرة اللبنانيّة، وتعافياً اقتصادياً سريعاً.

السيناريو الثاني: استقرار وتعاف بطيء
يفترض السيناريو الثاني، والذي يعتبر المصرف أن احتمالات حصوله متوسّطة، حصول المعارضة والمجتمع المدني على حصة مؤثّرة لكن غير مقرّرة أو حاسمة داخل المجلس النيابي، مع بقاء هذه الفئة أقليّة داخل المجلس. هذا السيناريو، يفترض بقاء السلطة الحاليّة في موقعها بعد الانتخابات، لكن مع بعض الضغط الذي يدفع باتجاه إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد، وعدم حصول فراغات دستوريّة بعد الانتخابات. وهذا السيناريو سيقود إلى استقرار اقتصادي ملحوظ، لكن مسار التعافي سيكون أبطأ من وتيرة التعافي في السيناريو الأوّل.

في هذا السنياريو، يتوقّع المصرف أن تتم إعادة جدولة شاملة لمحفظة سندات اليوروبوند، لكن مع اقتصاص كبير في قيمة هذه السندات، ما سيحمّل الدائنين خسائر كبيرة، نظرًا لمديونيّة الدولة الكبيرة وحاجتها المستقبليّة إلى المزيد من الاستدانة لتمويل عمليّة إعادة الإعمار والتعافي. وهنا، لا يتوقّع المصرف تمكّن السلطة من إنجاز إعادة هيكلة الدين العام قبل منتصف العام 2023، مع إمكانيّة تأجيل العمليّة إلى العام 2024 في حال حصول فراغ دستوري بعد الانتخابات.

السيناريو الثالث: بقاء الوضع على حاله
في السيناريو الثالث، والمسمّى “بقاء الوضع على حاله”، والذي يعتبر المصرف أن احتمالات حصوله متوسّطة أيضًا، يتوقّع المصرف استمرار الطبقة السياسيّة بتجنّب توقيع الاتفاق مع صندوق النقد، لتفادي إجراء الإصلاحات التي يطلبها الصندوق. وفي هذا السيناريو، من المتوقّع أن تشهد البلاد المزيد من التدهور في سعر الصرف بعد الانتخابات، مع إنكماش اقتصادي إضافي في النصف الثاني من العام 2022. وهنا، يعتبر المصرف أن البلاد لم تشهد حتّى اللحظة أدنى مستوياتها في ما يخص الوضعين المالي والاقتصادي، وأن وصول البلاد إلى هذا المستوى في حال عدم توقيع الاتفاق مع الصندوق سيؤدّي إلى “عقد ضائع” من حياة اللبنانيين.

وحسب هذا السيناريو، سيؤدّي تحويل الودائع المقومة بالعملات الصعبة إلى الليرة اللبنانيّة إلى ارتفاع في الكتلة النقديّة المتداولة بالعملة المحليّة، وعلى مدى سنوات طويلة، وهو ما سيؤدّي إلى تدهور طويل الأمد في قيمة الليرة اللبنانيّة. وهذا الوضع، حسب المصرف، لن يكون مستدامًا بل سيؤدّي إلى انفجار اجتماعي غير مسبوق، ناهيك عن الإطاحة باحتماليّة استرداد الدائنين لقيمة سندات اليوروبوند التي يحملونها. مع الإشارة إلى أن المصرف يتوقّع أن يستغرق سداد الودائع بالليرة اللبنانيّة فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات، إذا ما أخذنا بالاعتبار متوسّط السحوبات من الودائع بالعملة الأجنبيّة بين تشرين الأوّل 2019 وكانون الأوّل 2021، والذي بلغ حدود 0.8 مليار دولار شهريّا.

سجل الطبقة السياسيّة “ضعيف”
يطرح تقرير بنك أوف أميركا علامات استفهام جديّة بخصوص قدرة الطبقة السياسيّة الحاليّة على تطبيق متطلّبات برامج صندوق النقد الدولي، بالنظر إلى سجلها الضعيف على مستوى تطبيق الإصلاحات خلال العامين الماضيين. وفي ما يخص مهمّة بعثة صندوق النقد الحاليّة في لبنان، يعتبر التقرير أن سيناريو حصول اتفاق مبدئي ما بين لبنان والصندوق قبل الانتخابات ممكن من الناحية النظريّة، لكن مراجعة تجارب الصندوق في الدول الناشئة تكشف صعوبة حصول هذا السيناريو من الناحية العمليّة، إلا إذا تمكّن الصندوق من انتزاع ضمانات من السلطة السياسيّة بالتزامها تطبيق الإصلاحات المطلوبة بعد الانتخابات.

في المحصلة، ما يمكن استخلاصه من التقرير هو أن مستقبل البلاد مرهون بإمكانيّة حصول تحوّلات في التوازات القائمة داخل السلطة السياسيّة، بما يسمح بحصول تغيّرات على مستوى الأداء المالي والاقتصادي للدولة اللبنانيّة. وهذه المسألة بالتحديد، هي ما سيحدد مستقبل مسار التفاهم مع صندوق النقد في نهاية الأمر.