بيروت اليوم

400 هولندي بالتبني | يحاولون التعرف على آبائهم وأمهاتهم البيولوجيين في لبنان

“بالتأكيد، حكيت لي قصة عن عملية التبني. قصة قد لا تكون صحيحة على الإطلاق. لا اعرف. قصة تبدأ في اليوم، الذي تبناني فيه والدي الهولنديان. فحياتي لم تبدأ يوم التبني. هذا ليس صحيحاً.

أحتاج لمعرفة قصتي الحقيقية منذ البداية. الأمر… ان والدتي الهولندية لديها ابنة وحيدة بينما أرتبط بوالدتين.. اغرب شيء بالنسبة إلي هو شعوري بأنني على صلة بوالدتي لكنني لست على اتصال بتاتاً بوالدتي اللبنانية…”.

هذا بعض من شهادة كريستا فيسر اللبنانية الولادة، الهولندية الجنسية (بالتبني)، فيما عرض في شهادة مكتوبة لدانيال درنان الأعور او ما أصبح اسمه من الآن فصاعداً دانيال إبن بهيجة،

وحفيد حسين ولطيفة – رحمهما الله- لشهادة عن رحلته الى “سرداب امه” وذلك في المؤتمر، الذي دعت اليه جمعية “بدائل “في فندق بادوفا – سن الفيل.

البحث عن صوت الأم الغائب، ذلك الصوت، الذي افتقده الولد أوالفتاة بعد تبنيه من عائلة أخرى. في سن الرشد، يبدأ البحث عن الجذور الأصلية، عن الوالدين البيولوجيين في مسيرة شاقة جداً ومتعثرة، في محاولة للقاء أحدهما قبل فوات الأوان.

في حوارها مع “النهار”، استعادت فيسر مراحل تبنيها، التي تعود الى عام 1972 مشيرة الى “ان سيدة لبنانية تعيش اليوم في دار للعجزة في هولندا ويقارب سنها الـ100 عام وهي قامت بإيداعها لوالديها بالتبني”.

ماذا قالت لها هذه السيدة؟ اجابت بثقة أنها “رددت عليها مراراً ان والدها من طرابلس”. أما والداها بالتبني، فقد أكدا “لها أنهما تسلماها في عيد الميلاد عام 1973 عندما قصدا لبنان للغاية عينها، ونقلا لها المعلومة التي لطالما رددتها السيدة العجوز القاطنة في هولندا اليوم ان والدها كان يهتم ببساتين حمضيات…”.

لمَ تسع للبحث عن جذورها؟ اجابت ببساطة انها “علمت وهي صغيرة أنها طفلة بالتبني”، وقالت، “اريد ان أطمئن والدتي عني وأمحو لديها أي قلق علي أو على حياتي”. أضافت: “انا إمرأة سمراء.

لا أشبه والدي بالتبني بشعرهما الأشقر وعيناهما الملونتين. علاقتي بهما ممتازة. رغبت في امتهان تعليم الصفوف الابتدائية، وعلمت أهمية الأمومة عندما ولدت ابنتيّ”.

عما إذا كانت جذورها من الشمال كما قيل لها أجابت: “لا أعتقد. لقد اجريت فحص الحمض النووي، وهو ساعدني في التعرف على اقارب لي من الدرجة الرابعة تم تبنيهم من لبنان الى الولايات المتحدة”.

دقائق وتكمل الحكاية لتقول: “تبنى اهلي شقيقاً لي خلال زيارة إلى لبنان في عام 1975. اسم أخي مارك فيسر، وهو لا يسعى للتعرف على جذوره. مقاربته للأمور خاصة به”.

400 حالة

دقائق ويأتي فصل جديد من التبني على صعيد أوسع. فقد تحدث رئيس جمعية “ابناء الأرز” دافيد جان بان لـ” النهار” عن الجمعية، التي تأسست منذ أعوام عدة وهي تضم تحت لوائها 400 رجل وإمرأة تم تبنيهم من لبنان الى عائلات هولندية”.

ولا شك في ان جان بان هو من هذه الحالات وهو دعا كما قال عبر صفحة فايسبوكية الى تضافر جهود الـ400 للبحث عن جذورهم في لبنان”.

ماذاعنه؟ يقول لـ”النهار” انه وجد والده متأخراً لأنه سبق ان تم تبنيه في عام 1975، ولم يتعد سنه الثلاثة أشهر. بحث بجهد وشغف ليكتشف مكان والده، الذي توفي قبل لقائه”.

لمَ اراد البحث؟ ينظر اليك بتعجب لأنك “عندما تدرك حقيقة الأمر، تتوق الى معرفة جذورك”. قال: “انت غريب عن جو العائلة التي تبنتك، لا ترى نفسك فيها”.

ما هي مهمات “جمعية بدائل”؟ أشارت رئيسة الجمعية زينة غملوش لـ “النهار” إلى أنها “أطلقت عام 2013 لمناصرة الطفل في المحافظة على جذوره وكي يكون الفصل عن العائلة البيولوجية الملاذ الأخير”، مشيرة الى أنها “تعمل ضمان الحفاظ على مصلحة الطفل والأم،

على حد سواء خلال عملية الفصل، الأمر الذي يتطلب تأمين الحق في الوصول الى المعلومات وإعادة لم شمل العائلة”. وأشارت الى ان “صندوق معلومات الجمعية يضم الى اليوم 3471 حالة تبنى”،

موضحة ان “غالبية هذه الحالات حصلت في فرنسا تليها هولندا فالدانمارك والولايات المتحدة، إلى بعض الحالات في البلدان العربية كسوريا والجزائر وسواها”. واكدت ان “حالات التبني كانت تصاعدية خلال الحرب، وهي ما زالت قائمة اليوم لكن بوتيرة اقل مما كانت عليه في تلك الفترة”.

وشددت على اننا “نصبو الى إصلاح نظام الرعاية من خلال اصدار قانون يرعى عملية الفصل بين الطفل والعائلة كملاذ أخير لأن الحل الآخر هو دعم الطفل من خلال أسرته لا سيما الأسرة التي ترعاه”. وتوقفت عند وضع الأم، التي تلزم “بالتخلي بصفتها الحلقة الأضعف” وإلى أن يتحول الدعم،

الذي تتلقاه المؤسسات الرعائية، لتسهيل عملية التبني عبر البلدان ويستقر لحماية الطفل ضمن عائلته وتأمين مستقبل افضل له في كنفها”. وقالت: “يمكن ان يتوجه الدعم المالي لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً للحد من التخلي عن الأبناء لدى هذه الأسر”.

دافيد، الرجل النحيف هناك، صاحب اللحية كتب في شهادته قائلاً، “قبل ان اتمكن من صياغة السؤال حتى، ابلغت ان والدي وافتهما المنية منذ فترة، تبع ذلك سكون مطول (….) أسأل اولئك،

الذين يقترحون ان التبني مفيد لجميع الأطراف، الا تشعرون بأي واجب تجاه تأثر الأم وحزنها على طفل بالكاد تعرفه؟ يضاعفه الآن حزن ابنها، على من لم يلتق بها قط؟ لقد زرت قبرها ليومين قبل مغاردتي بيروت”.