صحة وطب

كيف يؤثر التوتر على دماغك؟

عندما نسمع أو نقرأ كلمة “توتر” يخطر على أذهاننا تلك الصعوبات المستمرة في النوم والتقلبات المزاجية الحادة كالانزعاج والكآبة والشعور بالوحدة والإحباط والعزلة، وأحياناً قد يصل الموضوع إلى نسيان بعض الأشياء والتفاصيل الصغيرة وغيرها من المشاكل النفسية التي تصادفنا جميعاً.

حسنٌ؛ لا تقلق، لقد مررنا جميعاً بذلك، منا من اجتازه ومنا من لم يستطع التخلص منه، إنه توترٌ ببساطة.

التوتر ليس شيئاً سيئاً دائماً كما يظن البعض، قد يعطيك التوتر دفعةً من النشاط والتركيز عند ممارسة رياضةٍ تنافسيةٍ مثلاً أو عند إلقائك خطاباً على الملأ، ولكن عندما يستمر التوتر بشكلٍ روتينيٍّّ يوماً بعد يوم، مسبباً لك تدهوراً عاماً، يبدأ دماغك بالتغيّر حرفياً!

التوتر المزمن الذي يجعلك مرهقاً دائماً، مفتعِلاً للشجارات المنزلية يمكن أن يؤثر على حجم الدماغ وبنيته وطريقة عمله أيضاً، ولا تستغرب إذا وصل تأثيره إلى مستوى جيناتك، لأن هذا بالفعل ممكن ..

ينشأ التوتر عن طريق المحور الوطائي النخامي الكظري ( “HPA ” Hypothalamic–pituitary–adrenal ) بواسطة سلسلةٍ من التفاعلات تحدث بين الغدد الصماء في الدماغ والكلية، والتي تتحكم باستجابة جسدك للتوتر.

عندما يلاحظ دماغك أنك تمر بحالةٍ من التوتر يتفاعل محور الـ HPA فوراً مع الموقف ويطلق هرموناً يدعى الكورتيزول والذي بدوره يعطي لجسدك طاقةً حركيةً فوريةً للتفاعل مع الموقف بشكلٍ أسرع.

ولكن إفراز هرمون الكورتيزول بشكلٍ متواصلٍ على المدى البعيد سيؤدي لتحطيم دماغك حرفياً ..

على سبيل المثال، يعمل التوتر المزمن على زيادة مستوى النشاط وعدد الروابط العصبية في اللوزة الدماغية، وهي مركز الخوف في الدماغ، ومع تزايد نسب الكورتيزول، تنحسر الإشارات الكهربائية في الحصين وهو جزءٌ مهمٌّ في الدماغ مسؤولٌ عن التعلم والذكريات والتحكم بالتوتر كما أنه يقوم بتثبيط نشاط محور الـ HPA، لذا عندما ينخفص مستوى عمل أو كفاءة الحصين، تضعف قدرتك على التحكم بالتوتر كذلك، هذا ليس كل شيء، يمكن للكورتيزول تقليص حجم دماغك حرفياً، وتسبب النسب المرتفعة منه فقدان الوصلات الشبكية بين العصبونات، وتقليص قشرة فصك الجبهي وهي قسمٌ في الدماغ يعمل على تنظيم بعض التصرفات التي نقوم بها يومياً مثل التركيز، اتخاذ القرارات، إصدار الأحكام، والتفاعل الاجتماعي.

كما أنه يؤدي إلى تكوين عددٍ أقل من خلايا الدماغ الجديدة في الحصين، وهذا يعني أن التوتر المزمن قد يعمل على تصعيب وتعقيد الأمور عليك كالتعلم وتذكر الأشياء، وليس هذا فحسب بل يهيئُ الجو لمشاكل عقليةٍ أخطر بكثير مثل الاكتئاب ووصولاً إلى الزهايمر في النهاية.

قد تمتد تأثيرات التوتر إلى الحمض النووي في الدماغ، هنالك تجربةٌ أجريت على الفئران، أثبتت أن مقدار الرعاية التي تقدمها الفأرة الأم لمولدوها الجديد يلعب دوراً أساسياً في طريقة استجابة المولود للتوتر لاحقاً عند بلوغه، بحيث أن الفئران الصغيرة التي حصلت على الرعاية الكافية من أمها أصبحت أقل حساسيةً للتوتر وذلك لأن أدمغتها قامت بتطوير مستقبلات كوريتزول أكثر، تلتصق بالكورتيزول وتمنع الاستجابة للتوتر، في حين حصلت الفئران الصغيرة المهملة على نتائج معكوسة، بحيث أصبحت أكثر حساسيةً للتوتر عند بلوغها، تعتبر هذه التغيرات فوق جينية، أي أنها تؤثر على تحديد الجينات المحررة من دون تغيير الشيفرة الوراثية بشكلٍ مباشر، ويمكن إبطال هذه التغيرات إذا تم تبديل الأمهات، لكن هناك نتيجةٌ مفاجِئة، فالتغيرات فوق الجينية التي تسببها فأرةٌ أمٌّ واحدة سيتم تمريرها للأجيال القادمة من الفئران، بتعبيرٍ آخر فإن نتائج هذه التصرفات كانت قابلةً للتوريث.

لكن ليست كل الأخبار سيئة، فهناك عدة طرقٍ لعكس تأثير هرمون الكورتيزول على دماغك المتوتر، وهي باستعمال أقوى أسلحتك الجسدية والذهنية مثل التمارين الرياضية والتأمل الذي يتضمن التنفس بعمق، وأن تكون واعياً ومركزاً على ما يحيط بك، تقوم هذه النشاطات بتقليل التوتر وزيادة حجم الحصين في دماغك وبالتالي تحسين ذاكرتك، لذا لا تشعر بالإحباط أمام ضغوط الحياة اليومية وسيطر على توترك قبل أن يسيطر عليك.

اترك ردا