بيروت اليوم

صفعة الصحيفة الاميركية تترك الحريري أمام خيارين

“ليبانون ديبايت” – قاسم يوسف

قد نتمايز مع سعد الحريري في مقاربة مجموعة كبيرة من الملفات المطروحة، وهو تمايز يلامس أحيانًا حدود الاختلاف والخلاف الجوهري حول مروحة واسعة جدًا من الخيارات المتناقضة، لكننا ننطلق حتمًا من حرصنا ومن مسؤوليتنا الوطنية إزاء ما تشهده البلاد من جنوح مستمر نحو الانهيار،

بالتوازي مع ما يعانيه أهل الدولة من صقيع وارتباك، ومن إحباط بات يرخي بظلاله على بيئتهم ومجتمعاتهم التي طالما تمتعت بحيوية استثنائية وشكلت الركن الأصلب في تأسيس واستمرار الكيان، بل وظلت العنوان الدائم للصبر والاستيعاب والمبادرة.

يُمكن لأي متابع أن يسترجع الانتفاضة العفوية الجارفة التي تزامنت مع استقالة سعد الحريري في الرياض، وأن يكتشف حجم الارتصاف إلى جانبه ضمن بيئته الحاضنة، رغم الاختلافات والتباينات وخيبات الأمل التي حكمت العلاقه بينهم على مدى عقد ونيف،

لكن ذلك كله لم يشجعهم على الرقص أو القفز فوق جثته، ولم يجبرهم على الرضوخ لمفاعيل الأمر الواقع، بل دفعهم نحو الاعتراض والرفض، وصولاً إلى التلويح المباشر والموارب بقلب الطاولة وتحويل الصداقة والتحالف إلى ما يشبه النفور والقطيعة والشر المستطير.

لم تكن الرواية التي نشرتها الصحيفة الأميركية الشهيرة إلا صفعة إضافية على وجوه أولئك الذين رفضوا أن يعبروا فوق جثة سعد الحريري، بل أصروا أن يحملوه معهم نحو ما يظنون أنه بداية خلاص أو استعادة توازن.

لم يكن أحدهم ليرغب بشطبه من المعادلة السياسية والوطنية، بقدر ما سعوا بغالبيتهم نحو تصويب بوصلته وإعادة إنتاج سلوكه وخطابه، لكنهم ما برحوا يرتطمون بإصراره على مسار لم يُنتج سوى مزيد من الضعف والاستسلام والهزائم.

الجانب الأهم في تداعيات هذه القضية يكمن في ردة الفعل المباغتة على رواية قديمة سبق أن تناولها الإعلام المحلي والعالمي وانتشرت على نحو واسع في المجالس والصالونات، لكنها لم ترق حينذاك إلى الأهمية والفعالية التي حظيت بها الآن، حيث استطاعت الكثرة الكاثرة أن تتجاوز حيثياتها المؤكدة،

وأن تذهب نحو رفضها قبل الولوج في مناقشتها وقبل التشكيك في تفاصيلها أو ركاكة بنيانها، وهذا تحديدًا ما تغيّر اليوم. صحيحٌ أن الصحيفة التي نشرت الخبر تتمتع بمكانة دولية وازنة وبمهنية ومصداقية كبرى،

لكن الصحيح أيضًا أن الأرضية العميقة باتت خصبة ومهيأة، وأن الوعي الجماعي والمزاج العام الذي طالما احتضن سعد الحريري قد انتقل من مرحلة الدفاع والتمسك والرفض، إلى مرحلة جديدة تتمحور حول ضرورة عزله وكف يده عبر أي وسيلة ممكنة أو متاحة.

واهمٌ ومشتبه من يظن أننا فرحون اليوم بمصاب سعد الحريري، وبما وصلت إليه حالته وصورته. لقد أصابنا كل ما أصابه، وكان وقعه في نفوسنا هائلاً ورهيبًا ومدويًا، وصرنا كما السكارى أو الحيارى، نلهث خلف تبريرات واهية لأزمة مركبة باتت تتخطى المماحكات والاصطفافات والصغائر، وتصل إلى ما يشبه ضربة العمر على حلبة الصراعات القاتلة.

ربما تعوزني اللياقة في إخراج مُحصلة واضحة بعد هذا النقاش المستفيض، لكن يكفي أن أردد على مسامعك بكل محبة واحترام: إرحل قبل أن يُرحّلوك يا دولة الرئيس.