بيروت اليوم

نبأ هام عن توحيد سعر صرف الدولار… على اي تسعيرة ؟

“نشرت الديار

بعيدًا عن السياسة، كان للإعلان الرسمي عن إطلاق الصندوق الفرنسي – السعودي لدعم الشعب اللبناني، وقعٌ إيجابيٌ على صعيد الرأي العام اللبناني بالمجمل، خصوصًا أنه يهدف إلى تقديم مساعدات إنسانية تشمل كل المناطق ومن دون أي تمييز طائفي أو مذهبي بحسب ما صرّح السفيران الفرنسي والسعودي.

السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، قال ان هذه الشراكة تهدف إلى دعم العمل الإنساني والإغاثي في لبنان بأعلى معايير الشفافية، حيث يهدف التمويل الى دعم ستة قطاعات رئيسية، وهي الأمن الغذائي، والصحة والتعليم، والطاقة والمياه، والأمن الداخلي.

أما السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريّو، فقالت ان هذه المشاريع تلبي إحتياجات السكان المستضعفين في لبنان الأكثر إلحاحًا في قطاعي الصحة والأمن الغذائي، ذوي الأولوية. وترمي إلى دعم مستشفى طرابلس بصورة خاصة، وتعزيز الإنتفاع بخدمات الرعاية الصحية الأولية، وتقديم المعونة الطارئة، التي تشمل الغذاء، إلى الفئات المحرومة.

المعلومات الصادرة عن السفارة الفرنسية تُشير إلى أن هذا الصندوق سيوفّر دعمًا ماليًا بقيمة ثلاثين مليون يورو. في حين أن معلومات صحافية أخرى تحدّثت عن أن الصندوق سينطلق بمبلغ 72 مليون يورو قدّمت المملكة العربية السعودية نصف هذا المبلغ والنصف الاخر آتٍ من الدولة الفرنسية.

الطابع الإنساني – الإغاثي لهذا الصندوق، يشير إلى تردّي الوضع الإقتصادي والمعيشي للشعب اللبناني في المرحلة المقبلة. هذا الإستنتاج نابع من فرضية أنه لو كان لبنان على مسيرة التعافي، لكانت الحكومة عمدت إلى تمويل المشاريع (المنوي تمويلها من الصندوق السعودي – الفرنسي) بنفسها من خلال قرض من البنك الدولي. وبالتالي فإن إنشاء الصندوق السعودي – الفرنسي يوحي بأن أمام لبنان ستة أشهر (أقلّه) صعبة جدًا سيكون خلالها الوضع المعيشي مأسويا بكل ما للكلمة من معنى، وهو ما دفع فرنسا والمملكة العربية السعودية إلى إنشاء هذا الصندوق في محاولة لتغطية عجز الدولة على تأمين حاجات شعبها من المواد الغذائية والخدمات الطبية والتربوية وغيرها من الحقوق التي نصّت عليها شرعة حقوق الإنسان.

عجز الحكومة عن القيام بواجباتها تجاه شعبها يجعلها في مصاف حكومات مُقاديشو وزيمبابوي وغيرها من الدول الأفريقية التي تعيش على المساعدات الدولية. وتتجلّى قمة هذا العجز في الإجراءات التي تقوم بها الحكومة في ملف القمح وملف الكهرباء حيث ان الحكومة تطلب مساعدات من القمح من الحكومة الأميركية التي وافقت على إعطاء القمح للبنان لكن من خلال برنامج الأمم المتحدة للغذاء. كذلك الأمر بالنسبة للكهرباء التي تعتمد بنسبة كبيرة على مساعدة من الحكومة العراقية والتي تبيع النفط العراقي إلى لبنان «بالليرة اللبنانية» توضع في حساب في مصرف لبنان! وماذا نقول عن قطاع الصحة الذي يعيش على مساعدات خارجية مباشرة وهو أمر تعجز عنه الحكومة وصناديقها؟

عمليًا عجز الحكومة عن تأمين احتياجات شعبها يضعها في مصاف الدول الفاشلة حتى ولو لم يجري الإعلان عن ذلك رسميًا من قبل المؤسسات الدولية المختصة أو من قبل الدول الكبرى. وبحسب معلومات متداولة في الأروقة الديبلوماسية، تصنّف الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المُتحدة الأميركية والدول الأوروبية، لبنان على أنه دولة فاشلة من دون إعلان ذلك وتتعامل معه على هذا الأساس. وبالتالي يأتي الصندوق الفرنسي – السعودي ليؤكّد المؤكّد وهو أن لبنان أصبح «دولة فاشلة»، وبالتالي سقطت الحكومة اللبنانية وأجهزتها في نظر المجتمع الدولي الذي يرفض التعامل معها ويتجه إلى إعطاء مساعدات مباشرة إلى الشعب من دون المرور بالحكومة اللبنانية التي من المفروض عليها دستوريًا أن تقبل هذه المساعدات من خلال مراسيم تصدرها في الجريدة الرسمية.

على صعيد آخر، أثبت ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء أن هذه السوق لم تمت، ولم يستطع التعميم 161 القضاء عليها. وهذا ما يعيد إلى الذهن السؤال الجوهري: كيف للحكومة أن تعيد توحيد سعر الصرف كما تدّعي في خطة التعافي التي عممّتها؟

الجواب عن هذا السؤال ليس بأمر سهل، فإذا كان بمقدور الحكومة ومصرف لبنان توحيد أسعار الدولار للسحوبات النقدية ودولار الاستيراد، والدولار الجمركي، ودولار الضريبة على القيمة المضافة، ودولار القروض بالعملة الصعبة، ودولار الاتصالات… إلا أنها عاجزة عن القضاء على دولار السوق السوداء الذي سيبقى موجودًا لفترة طويلة.

هذا القول يأتي من منطلق أن الدولة اللبنانية تفتقر إلى كتلة نقدية بالعملة الصعبة كافية لتغطية حاجات الاقتصاد (إستيراد) وحاجات مالية الدولة (فيول، أجور موظفي الخارجية، إيجارات العقارات الديبلوماسية، الاشتراكات في المؤسسات الدولية، كلفة السفريات الرسمية…). وبالتالي، إذا استطاعت الحكومة ومصرف لبنان توحيد سعر الصرف الرسمي، إلا أن هناك استحالة تقنية لمحو السوق السوداء نظرًا إلى أن الدولار النقدي (الكاش) سيبقى سيد الموقف لفترة طويلة وذلك حتى لو وقّعت الحكومة اتفاقا مع صندوق النقد الدولي!

التحاليل الاقتصادية، تشير إلى أن الحكومة اللبنانية تحتاج إلى فترة تتراوح بين سنة إلى سنتين للقضاء على السوق السوداء، تبدأ مع توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وبدء القيام بالإصلاحات. وبالتحديد وبالحديث عن الإصلاحات، لا تشير الأجواء السياسية الحالية إلى إمكان توافق القوى السياسية على القيام بإصلاحات بعد الانتخابات النيابية نظرًا إلى أن الانقسام السياسي القائم بين القوى السياسية المرجّح وصولها إلى المجلس النيابي المقبل، ينسحب على المجال الإقتصادي والمالي، وبالتالي هناك استحالة للقيام بإصلاحات في المدى المنظور.

في هذا الوقت سيستمر الوضع المعيشي للمواطن بالتردّي في المرحلة المقبلة وستزداد وتيرة الصراع السياسي الذي قضى على القطاع المصرفي بشقيه المصارف ومصرف لبنان، وعلى القطاع القضائي. هذا التردّي سيرتبط مباشرة بسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، مع عجز مصرف لبنان عن تأمين الدولارات، ومع بدء الحكومة الصرف من حقوق السحب الخاصة التي تلقتها من صندوق النقد الدولي في أيلول الماضي. الجدير ذكره، أن صرف الحكومة من حقوق السحب الخاصة، يخالف روحية برنامج صندوق النقد الدولي والذي نص على استخدام هذه الأموال لدعم الاقتصاد في مواجهة جائحة كورونا ودعم القطاع الصحّي، فها هي الحكومة تستخدم هذه الأموال للإنفاق الجاري على الكهرباء خصوصًا السلفة (المشبوهة) لدعم مقدمي الخدمات في قطاع الكهرباء!! فماذا ستكون ردة فعل صندوق النقد الدولي على هذا الأمر؟ لا نعرف حتى الساعة كيف ينظر الصندوق الى هذه الممارسات من قبل الحكومة، إلا أن الأكيد أن هناك امتعاضًا من قبل الصندوق للمماطلة التي تمارسها القوى السياسية المشاركة في الحكومة.