بيروت اليوم

من الخليج لـ’حسان دياب’ | ‘خليك بالبيت‎’!‎

هل يتمكن الدكتور حسان دياب، رئيس الوزراء اللبنانى (الذى لم ينل ثقة البرلمان بعد)، من ‏زيارة دول الخليج العربى قريباً؟ وهل سيتم استقباله؟ وإذا تم ذلك، هل تنجح رحلته؟

أعلن دولته بعد تشكيله للحكومة أنه سوف يتوجه فى أول زياراته للأشقاء العرب، خاصة دول ‏الخليج‎.‎

ومن المنطقي لأي رئيس حكومة لبنانية أن يتحدث بشكل إيجابي عن محيطه العربي وعن أهمية ‏دول الخليج العربي، لثلاثة أسباب‎:‎

‎1 – ‎دول الخليج هي الأكثر استثماراً فى لبنان سواء دول أو أفراد‎.‎

‎2 – ‎العمالة اللبنانية فى دول الخليج هي مصدر رئيسي لتحويلات المقيمين اللبنانيين فى الخارج ‏للمصارف الوطنية‎.‎

‎3 – ‎الخليجي هو المصدر الرئيسي للسياحة اللبنانية التى ينتفع منها 4 أشخاص من كل عشرة ‏بشكل مباشر أو غير مباشر، على أساس أن الاقتصاد اللبناني هو – بالدرجة الأولى- اقتصاد ‏خدمات‎.‎

للأسف لا أرى، هذه المرة، أي بريق أمل حقيقي فى نجاح جهود رئيس الوزراء اللبناني في ‏تدعيم هذه الركائز من أجل خدمة اقتصاد لبنان المأزوم بشدة‎.‎

من المنطقي أن يتوجه الدكتور حسان دياب خليجياً بعدما تم تجميد باب الأمل غرباً حينما تم ‏تجميد مؤقت لبرنامج «سيدر» المتوقع أن يمنح الاقتصاد اللبناني أكثر من 11٫5 مليار دولار ‏أميركي‎.‎

ولكن‎..‎

لماذا نقول إن الأمل ضعيف للغاية فى نجاح رحلة دولة رئيس الوزراء اللبنانى لدول الخليج؟ ‏لماذا يكون هذا الموقف من مركز رئيس الحكومة الذى يعبر «تقليدياً» عن المسلمين السنة فى ‏لبنان؟

أستطيع وأنا مطمئن، وغير متعسف، وغير مبالغ، من واقع تنقلى الدائم فى تلك المنطقة فى ‏العالم، أن أؤكد «المعلومات» التالية‎:‎

‎1 – ‎أن عواصم الخليج، باستثناء الدوحة، ترى أن حكومة الدكتور حسان دياب هى حكومة اتجاه ‏واحد، أي حكومة تحالف أنصار إيران وسوريا فى لبنان، وبالتالي فهي حكومة الخندق المعادي ‏لها‎.‎

‎2 – ‎أنه لا منطق يقبله عاقل أن تدعم دول الخليج العربي اقتصاد دولة حكومتها فى تحالف مع ‏أعدائها‎.‎

‎3 – ‎أن بيروت، من وجهة نظر دول الخليج، تحولت إلى منصة هجوم دعائي وسياسي ضد ‏زعماء هذه الدول، وداعمة بشكل مباشر لكل من طهران، والدوحة، والحوثيين والحشد الشعبي، ‏وهي قوى فى خندق القتال ضد الرياض وأبوظبي‎.‎

‎4 – ‎أن الأسابيع والشهور المقبلة سوف تشهد تقليصاً وانخفاضاً غير مسبوقين فى علاقات دول ‏الخليج مع لبنان، تبدأ من خفض السفارة السعودية فى لبنان عدد موظفيها، إلى عدم صدور بيان ‏دعم أو ترحيب للحكومة الجديدة، إلى التوقف عن السماح للسياح الخليجيين بزيارة لبنان‎.‎

من هنا يمكن السؤال: ما احتمالات نجاح زيارة دولة الرئيس حسان دياب؟

فى البداية، يقال لا موقف شخصياً من شخص رئيس الوزراء، لكن المسألة هى مسألة ‏‏«مصالح» و«مبادئ» و«إعطاء رسائل صريحة وواضحة‎».‎

من الممكن فى علم الاحتمالات، ومن قبيل اللياقة والأعراف العربية الخليجية أن يقال لرغبة دولة ‏الرئيس المحترم «أهلاً بك، والله يحميك عندنا»، وتتم الزيارة، ويحصل على الترحيب ‏البروتوكولي، ويتم الاستماع إليه، ويودع بمثل ما استقبل به، ثم لا يحدث أي شيء‎!‎

إنها الطريقة الخليجية المهذبة تقليدياً فى إظهار عدم الرضا، أو عدم الرغبة فى التعاون، وبالطبع ‏لا يغيب عن دولة الرئيس كلام «جيفرى فيلتمان» الأخير حول تقييمه السلبي لهذه الحكومة‎.‎

وهناك أيضاً الاحتمال الثاني، وهو التأجيل لعدة أسابيع لقراءة ودراسة متأنية لسياسات ومواقف ‏حكومة د. حسان دياب، خاصة فى سياساتها الإقليمية‎.‎

ويأتي الاحتمال الثالث، وهو الأصعب نفسياً وواقعياً على حكومة لبنان الحالية، وهو إبلاغ لبنان ‏عبر القنوات الدبلوماسية، أو عبر وزير الخارجية الجديد «د. ناصيف حتى» أن الرياض ‏وأبوظبي مشغولتان الآن، وليس لديهما استعداد لاستقبال دولته‎.‎

ولا بد للدكتور حسان دياب – شخصياً- أن يعلم جيداً أنه يقود حكومة تمثل «أعداء الرياض ‏وأبوظبي والمنامة» فى المنطقة، وأن وزارة خارجية لبنان هي جزء من السياسية الإقليمية ‏الإيرانية، وأن ذلك ليس افتراءً عليه، لكنه أمر واضح منذ 18 عاماً، اتخذت فيه الخارجية ‏اللبنانية دور بوق مصالح طهران ودمشق فى كافة المحافل العربية والدولية، وعلى دولته أيضاً ‏أن يدرك أنه «لا يمكن أن تطلب من السلطان كيساً من الذهب دون أن تضرب بسيفه»، لذلك لا ‏نتوقع أن تمول دول الخليج العربى مشروعاً مضاداً ومعادياً لها أمنياً وعسكرياً وسياسياً ومذهبياً‎.‎

وهذا السلوك لا يجب اعتباره انتقاصاً من لبنان الشقيق أو الأصدقاء، لكنه يعتبر منطقياً، ومفهوم ‏تاريخياً أن «الدول تقدم يد العون والمساعدات لحلفائها، وتسحبها عن خصومها وأعدائها‎».‎

الحالة الوحيدة التي يمكن أن تحصل فيها حكومة د. حسان دياب على دعم فوري من الرياض ‏وأبوظبي، أن يقدم لهما بالدليل والوثائق أن طهران وحلفاءها الإقليميين لا يريدون إسقاط نظامي ‏البلدين، وأن طهران لم تطلق صواريخ على مصافي «أرامكو» فى منطقة «بقيق»، وأن الحرس ‏الثوري الإيراني لم يطلق النار على ناقلتى النفط قبالة سواحل الفجيرة، وأن «قناة المنار» و«قناة ‏العالم» لا تعملان لصالح الحوثيين فى اليمن، وأن خبراء حزب الله لا يدربون قوات «الحوثي»، ‏وأن وسائل الإعلام الموالية لإيران فى المنطقة لا تسعى للاغتيال المعنوي وتشويه صورة قادة ‏دول الخليج، وأن طهران لا تدعم التطرف الشيعي فى البحرين‎.‎

إذا نجح دولته فى ذلك، وإذا نجح فى إثبات – أولاً- أنه ليس رجل التحالف الثنائي الشيعي المؤثر ‏فى لبنان، سيحصل على كل الدعم الخليجى المطلوب‎!‎

من هنا تأتي النصيحة للدكتور الأكاديمي المحترم دولة الرئيس حسان دياب: من الأفضل ألا تبنى ‏أحلاماً وردية حول إمكانيات نجاح زيارتك لدول الخليج العربية، وتذكر كلما راودتك تلك ‏الأمنيات الجميلة، عبارة السيدة فيروز الخالدة: «خليك بالبيت، خليك بالبيت‎».‎

المصدر : عماد الدين أديب – الوطن