منوعات

قصة شقيقان على الحلوة والمُرة.. كريم يعيش بـ كبد دنيا

ثمّة تجارب حين يتجاوزها المرء تتغير دّفة حياته؛ ذلك ما اختبره كريم ودنيا. علاقة قوية ربطت بين الشقيقان، حياة تأرجحت بين أيام مليئة بـ”الشقاوة” في الصِغر، وبعضٌ من الشقَى في الكِبر، عندما استبّد المرض بجسد الشاب العشريني، كان الدواء والسكينة من أخته، كما يسرد الشقيقان التفاصيل لمصراوي.

من الصِغر رافق المرض كريم صابر، حين كان في عمره الثالث تعرف عليه، عيب خُلقي أصاب كبده، عطله عن أداء وظائفه، عرف من وقتها أن أيام صعبة في انتظاره، وقد كان. تأرجحت حالته بين تعب شديد وراحة مؤقتة من الألم، لكن قبل عامين بات الوجع غير مُحتملًا “نزيف طول الوقت وإغماءات، حياتي شبه وقفت” يحكي الشاب العشريني لمصراوي.

لم يكن بُدًا من إجراء عملية زرع كبد، بحثت الأسرة منذ 2016 عام عن متبرع، لم تصل إلى شخص مستعد، فكرت شقيقته دنيا في أن تأخذ الخطوة لكن وقتها كانت تبلغ ستة عشر عامًا “قدامي سنتين عشان أقدر أساعده لكن كريم صمد في الوقت ده قدام المرض بس مر بعذاب كبير”، حتى جاءت اللحظة الأصعب، قبل عِدة أشهر من العام الحالي، بينما كان يستمتع الشاب العشريني بلعب الكرة مع أصدقاؤه، سقط على الأرض، كما اعتاد أن يفعل به المرض، لكن هذه المرة لم يستطع الوقوف مرة أخرى.

“المرة دي مكنش في أمل إنه يعيش، كنا موديينه المستشفى وهو شبه ميّت”، شعور قاسي مرت به الأسرة، لكن دنيا منحتهم الأمل، أيام قليلة وتُكمِل عامها الثامن عشر وبعدها تستطيع بأن تكون المتبرع لشقيقها “من غير تردد كنت عاوزة أعمل ده، مكنتش عاوزة أشوفه مرة تانية وهو في الحالة دي، مكنتش عاوزة أخويا يروح مني” تقول لمصراوي.

بعد عيد ميلاد دنيا بيوم واحد، بدأت رحلة التحاليل والآشعة على أربع مراحل، أخبرها الأطباء بأنها صالحة بالتبرع بجزء من كبدها لشقيقها، لكنها أبقت الأمر سرًا، لم تُخبر من حولها من الأقارب أو الأصدقاء، في الكنيسة بدأت حملة تبرعات الدم قبيل العملية “لكريم والمتبرع، محدش كان يعرف إن الشخص ده يبقى أنا”.

لأول مرة تشعر دنيا بالمسئولية “اللي حواليا عارفين إني شخص بتاع هزار طول الوقت، بس الوقت ده كنت حاسة إن في حياة حد في رقبتي”، بدأت تستعد جيدًا للعملية “كنت بخاف أكل حاجة غلط أو أعمل حاجة تتسبب في تأجيل العملية، حتى لما عملت براسينج (حلق مثقوب بالأنف) وأنا كان نفسي في ده، قبل العملية روحت شيلته بسرعة، وفضلت أعيط من كتر ما خايفة إن ده يأثر على العملية حتى لو بحاجة تافهة زي دي”.

في المستشفى كان كريم على دراية بكل ما يجري، غير أنه لم يكن مُرحبًا به “كنت خايف على دنيا ورافض إنها تتبرع، قولتلها إنتِ مش مضطرة تعملي ده أنا كدة كدة رايح خلاص ومفيش أمل”، لكن دنيا كانت قد اتخذت قرارها ومضت فيه “كريم قضى طول عمره بالمرض، ربنا لو عاوزه مكنش هيوصلنا للمرحلة دي، إن في أمل أخيرًا وإني أنفع أتبرع، كان عندي أمل إننا هندخل العمليات وربنا مش هيخرج واحد مننا بس”.

11 أغسطس كان موعد العملية، قلق يسكُن نفس كريم، توتر بادي عليه “كنت خايف عليها جدًا، قاعد بحاول أخبي دموعي، لإني عارف إن العملية هتفشل”، ازداد مُعدل الضغط في جسد الشاب العشريني، فكان الحل عند دنيا، أخذت تُغني له قبيل العملية بدقائق “اليأس ضعف وخوف جبان، لكن الأمل يفتح بيبان”، كالسحر انتاب الهدوء عقل كريم “هي عارفة إني بحب صوتها وهي بتغني، بيريحني”.

ساعات من انتظار الأم عفاف راضي، قلبها مُعلق بين غرفتين، لا تريد سوى أن تطمئن على ابنائها الاثنين، استيقظت دنيا أولًا “كنت بهلوس ومش حاسة بقول إيه، بس كل اللي على بالي إني عاوزة أشوف كريم، وعاوزة كل التعب اللي مر بيه ينتهي أخيرًا”.

اترك ردا