العالم اليوم

عون يكسر ‘المراوحة’… وأيلول لناظره قريب!

المصدر : حسين عاصي – النشرة

“المهلة ليست مفتوحة، وليس لأي أحد أن يضع البلاد برمتها رهينة عنده ويعطلها. سأنتظر حتى الأول من أيلول فقط. بعد ذلك سنتكلم. نعم سنتكلم”.

كثيرة هي التفسيرات التي يمكن أن تُعطى لهذا الكلام المنسوب لرئيس الجمهورية ​ميشال عون​. ثمّة من يقرأه من زاويةٍ إيجابيّةٍ، باعتبار أنّ المماطلة الحاصلة في الحكومة لم تعد تُحتمَل، وأنّ المطلوب فعل شيءٍ ما بمواجهة العقبات والعراقيل على أنواعها.

ولكن ثمّة من يقرأه في المقابل بسلبيّة، باعتبار أنّ مثل هذا الكلام يحمل بين طيّاته “انقلاباً” على رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، أو بالحدّ الأدنى تهديداً بقلب الطاولة عليه، خصوصاً من خلال استحضار نغمة “المهل” التي سبق أن استنفر الرجل في مواجهتها.

فأيّ التفسيرَيْن أو “المنطقين” يبدو الغالب اليوم؟ وماذا لو أتى أيلول من دون أن تولد الحكومة؟ هل من خطةٍ مُعَدّة للمواجهة في هذه الحال؟!.

ضغط بنّاء؟
إذا كان من تغييرٍ أحدثه الكلام المنسوب لرئيس الجمهورية خلال الساعات الماضية، فإنّه على الأقلّ كسر “المراوحة” القاتلة على خط تأليف الحكومة، في ضوء “الإجازات” المبالَغ بها التي يأخذها كلّ المعنيّين بالملفّ الحكومي، وكأنّ البلاد بألف خيرٍ، ولا شيء يستدعي العجلة لإنهاء العقبات التي تحول دون ​تشكيل الحكومة​، والتي لا تزال للمفارقة هي هي منذ اليوم الأول للتكليف.

لكن، أبعد من كسر “المراوحة”، تتضارب “القراءات” لكلام الرئيس عون، تماماً كالتفسيرات والتأويلات سواء لمغزى الرسائل التي حملها، أو للخطوات التي يمهّد لها. ولعلّ النقطة الأهمّ التي أدركها، من قرأوا رسائل الرئيس بإيجابية في الحدّ الأدنى، هي أنّ الرجل يحاول مجدّداً “الضغط” على خط تأليف الحكومة، وعلى المعنيّين بالتأليف، من خلال إحداث “صدمة ما” يريدها إيجابية ومحفّزة.

ولا شكّ، وفق هذه القراءة، أنّ مثل هذا “الضغط” يريده الرئيس “بنّاءً” بالدرجة الأولى، خصوصاً بعدما بدأ فريقٌ من اللبنانيين، يمثّله ذلك المحسوب على رئيس الجمهورية، أنّ هناك جهات خارجية تؤخر تأليف الحكومة بانتظار تغييراتٍ إقليميّةٍ ما يمكن أن تغيّر موازين القوى في الداخل، وهو ما يرفضه عون، الذي يصرّ على عزل عملية تأليف الحكومة وغيرها من استحقاقات الداخل عن كل العوامل الخارجية، وهو كان واضحاً حتى في رفض النقاش بموضوع العلاقات مع ​سوريا​، على الرغم من موقفه المعروف منها، قبل تأليف الحكومة، على اعتبار أنّ مثل هذه الأمور تُناقَش عند بحث البيان الوزاري وليس من الآن.

وإذا كان ثمّة من يربط الموعد الذي حدّده الرئيس باستعداده لترؤس الوفد اللبناني إلى أعمال الدورة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة في النصف الثاني من أيلول، وبالتالي رغبته في الذهاب إلى هناك على رأس وفد يمثل حكومة لبنانية أصيلة، لا حكومة تصريف أعمال، فإنّ هناك من يعتبر في المقابل أنّ عون ومن يمثله “آخر من يحق لهم الخوف على صورة لبنان في الخارج”، بعدما تسبّبوا بفراغ رئاسي لأكثر من سنتين، كما عرقلوا تأليف الحكومة مراراً وتكراراً من أجل مقعدٍ واحدٍ، “وكرمى لعيون الصهر” كما قال عون نفسه يوماً، حين كان رئيساً لتكتل “التغيير والإصلاح”.

سنتكلم… نعم سنتكلم!
عموماً، وبمعزلٍ عن كلّ هذه التفسيرات، يدرك الرئيس عون أنّ ​الدستور​ لا يقيّد رئيس الحكومة المكلّف بمهلة زمنية لتشكيل حكومته، وهو لا يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء للتلهّي مجدّداً بنقاش وجدالٍ طال البحث فيه، حول الصلاحيات وسحب التكليف وما شابه، خصوصاً بعدما ثبت بالأدلة القاطعة أنّ من شأن مثل هذا النقاش قلب الطاولة على المنظّرين له لا غيرهم، انطلاقاً من الحسابات أو ربما الحساسيات الطائفية والمذهبية التي لا تزال تتغلّب على كلّ ما عداها من حساباتٍ سياسيّةٍ، ولو اقتضتها مصلحة الدولة العُليا.

إذاً ما هي الخطوات التي يلوّح بها عون؟ وما الذي يمكن أن يفعله بعد أيلول في حال لم يتغيّر شيء، ولم يُحدِث “الضغط” الذي يحاول فرضه أيّ تغيير؟.

قد يختصر قول عون “سنتكلم… نعم، سنتكلم” البند الأول من “الخطة”، إن وُجِدت. بمعنى آخر، فإنّ الرجل يقول إنّه سيكسر صمته بعد الأول من أيلول، ليقول الأشياء بمسمّياتها، أي أنه يلوّح بـ “فضح” المعوّقات الحقيقية التي تحول دون تأليف الحكومة، وما يحدث خلف الكواليس على هذا الصعيد. وفيما يرجَّح أن تشتمل الخطة على خطاب يوجّهه الرئيس إلى ​الشعب اللبناني​ لوضع الأمور في نصابها، يخشى البعض أن يكون الرجل في وارد تحميل جهاتٍ خارجيّة محدّدة المسؤولية، بما يذكّر تحديداً بمرحلة استقالة الحريري من ​رئاسة الحكومة​ السابقة، والمواقف التي أطلقها عون، والتي ابتعدت عن اللهجة “الدبلوماسية” المعتمدة عادةً بين الدول، خصوصاً الصديقة منها.

وإذا كان عون والمحسوبون عليه يراهنون على أنّ “الضغط” سيفعل فعله لتتشكل الحكومة قبل أيلول، بما يوفّر على البلاد والعباد عناء “الكلام” وتداعياته، فإنّ ثمّة في الكواليس من يقول إنّ الوصول إلى مثل هذه “المرحلة” سيغيّر الكثير من “قواعد اللعبة”. عندها، لن يبقى قصر بعبدا “حائط مبكى” وفقاً لتوصيف عون، ولن يبقى رئيس الجمهورية يتفرّج، منتظراً أن يحلّ رئيس الحكومة المكلف أزمة التكليف.

ولأن لا خطوات دستورية وقانونية قد تكون متاحة لرئيس الجمهورية، الذي ينحصر دوره بالتوقيع على التشكيلة التي ترده من رئيس الحكومة المكلف أو عدم التوقيع عليها، يمكن القول إنّ “الضغط” سيتّخذ أشكالاً مختلفة، قد يكون الشارع محطتها الأبرز، ولو بقي الحلفاء، وفي مقدّمهم “​حزب الله​”، رافضين للجوء إليه، على اعتبار أنّ كل الخيارات الأخرى ستكون قد استُنفِدت، ولا بدّ من خطواتٍ عمليّة على الأرض للمواجهة في نهاية المطاف.

سلاح ذو حدّين
“سنتكلم… نعم، سنتكلم”. قد يفعل كلام عون فعله، فيأتي أيلول، حاملاً معه الحكومة المنتظرة، بعدما يتواضع الأفرقاء لتخفيف حجم مطالبهم، أو ربما “مطامعهم”، بشكلٍ أو بآخر. لكن إذا لم يحصل ذلك، ثّمة من يسأل عن “جدوى” الكلام الموعود، خصوصاً إذا لم يكن عون قادراً على اتخاذ خطواتٍ جدية لقلب الطاولة، إلا بالتكافل والتعاون مع الحريري.

أكثر من ذلك، لا مبالغة في القول إنّ الكلام سلاحٌ ذو حدّين، فكما أنّ عون يستطيع أن يتهم هذا وذاك، هناك في المقابل من يتهم فريقه السياسي، أي “​التيار الوطني الحر​”، بالوقوف عملياً وراء عدم تأليف الحكومة. ويدعون هؤلاء عون لـ”الضغط” على وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ أولاً، لخفض سقفه، من المطالبة بالثلث المعطل، إلى “الفيتو” الذي يفرضه على هذا وذاك، وبعد ذلك فقط، وإذا لم تتألف الحكومة، يمكن اتهام الداخل أو الخارج بما يشاء.

وفي الانتظار، يبقى الثابت أنّ عون كسر “المراوحة”، وهذا مطلوبٌ لأنّ “التفرّج” لم يعد مقبولاً، تماماً كـ”البكاء على الأطلال”، فهل من يتلقّف الرسائل ويبادر، لعلّ الحكومة تولد وترتاح البلاد من كلّ ويلات “الضغط” وما يمكن أن يجرّها إليه؟!.

اترك ردا