بيروت اليوم

على طرقات الموت في لبنان | الشابة جوان لاقت حتفها قبل أن تتخرج من جامعتها….

التيار-لارا الهاشم

كان من المفترض أن تتسلم جوان صفير شهادة التربية من جامعة الروح القدس الكاسليك في ال 2017 لتكمل مسارها التربوي الذي بدأته في شهر أيلول من العام نفسه في إحدى مدارس عجلتون. لكن القدر شاء أن يتحوّل عيد الإستقلال إلى عيد مأساوي بالنسبة لعائلتها. اذ قضت بتاريخه في حادث سير مروّع عند طريق عجلتون بعد اصطدام سيارتها بالعوارض الإسمنتية. فتسلّمت والدتها شهادة ابنتها الجامعية عوضا عن أن تحتفلا معا ببداية مشوار النجاح.

اليوم تعود قضية وفاة جوان إلى الواجهة بعد انقضاء تسعة أشهر على وفاتها. فالأشهر مرّت كالدهر بالنسبة لعائلتها التي لم تعوّض عليها الجهات المسؤولة حتّى معنويا، ولم تجِد من يقرّ بمسؤوليته عن الأعمال العشوائية.

هنا يستذكر عمّ جوان، روكز صفير، الذي يتابع الملف عن كثب في حديث ل tayyar.org ، مواجهةً تلفزيونيةً حصلت بينه وبين وزير الأشغال يوسف فنيانوس بعد أيام معدودة على الحادث المروّع. يقول صفير أن الأخير حاول التنصل بداية من المسؤولية ولمّا سأله العمّ عن مسؤولية الإستشاري وعن التأمين الذي قدّمه المتعهد، كان جواب فنيانوس” اذا مفكرين تشتكو ما تعملوها، جهاد العرب منو آخذ ولا ليرة، أنا وزير الأشغال وأنا مسؤول عن طرقات لبنان”.

لكن الإقرار اليتيم الموثّق لم يترجم لا في دوائر الوزارة ولا في القضاء. فالنيابة العامة تحرّكت تلقائيا بشخص مدعي عام جبل لبنان القاضية نازك الخطيب، التي أبدت كل التعاطف مع العائلة. حيث أصرت بحسب رواية العمّ على معرفة سبب الوفاة وتحديد المسؤوليات قائلة لعائلة جوان: لن أقبل أن يموت “أولادنا” على الطرقات. لكن رغم هذه الجهود لا يزال الملف ضائعا في روتين إدارات الدولة.

فُتح التحقيق في فصيلة عشقوت لقوى الأمن الداخلي وسئلت بلدية عجلتون عن دورها في المشروع فأكد رئيسها أن الطرقات العامة تقع تحت مسؤولية وزارة الأشغال. أحيل الملف على فصيلة جونية التي أحالته بدورها على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وطلبت استيضاح وزارة الأشغال كونها الجهة التي تعمل على وضع الفواصل. و بناء على إشارة القضاء المختص، طُلب الاطلاع ومراجعة من يلزم من وزارة الأشغال بغية تحديد الجهة المسؤولة عن وضع الفواصل والأساليب الفنية التي اعتُمدت لوضعها.

فتحركت هيئة الأركان- شعبة الخدمة والعمليات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي و أحالت الوثيقة على وزارة الأشغال مطالبة إياها بإعطاء الإجابات اللاّزمة لمخابرة النيابة العامة، وإيداع المديرية بالمطلوب.

لكن منذ ذلك الحين دخل الملف طي النسيان لمدة شهرين تقريبا كما يقول عم جوان ل tayyar.org. “راجعنا فصيلة عشقوت فقيل لنا أن الإحالة وصلت إلى وزارة الأشغال. راجعنا المعنيين في الوزارة فكان الجواب أن أي إحالة بهذا الموضوع لم ترد إليهم. عندها حصلنا على رقم الإحالة من وزارة الداخلية وحملناه إلى وزارة الأشغال.

كان ذلك في شهر شباط، عندما تبين لنا أن الإحالة تمت في 13/12/2017 ووصلت إلى “الأشغال” في 2 كانون الثاني ال 2018″. ويتابع صفير أن الموضوع لقي اهتماما يومها من مدير المديرية الإدارية المشتركة في الوزارة لإجراء المقتضى لكن من دون أن يترجم ذلك عمليا. فقد أحيلت الوثيقة إلى منطقة جبل لبنان الشمالية التابعة لوزارة الأشغال لسؤالها عن الأشغال التي تنفذها في عجلتون بناء على أشارة القاضية الخطيب. فكان الرد بأن ليس لهذه المديرية أي أشغال جارية في الوقت الحالي.

حاولت عائلة الفقيدة لقاء وزير الأشغال مرارا من دون أي جدوى إلى أن حلّت الإنتخابات واختلط الحابل بالنابل. عندها تقدّمت بمذكرة أمام النيابة العامة للمطالبة بتحديد المسؤوليات وسلّمتها باليد إلى فصيلة عشقوت مرفقة بتسجيل الوزير الصوتي. عيّن القضاء خبير سير محلّف للكشف على الطريق ودراسة الملف كما استمع لإفادة أحد ممثلي شركة “جهاد العرب”.

اليوم صار الملف مكتملا في عهدة النيابة العامة في انتظار تحريكه مجددا بعد تسعة أشهر تقريبا على وفاة جوان. أما ما تنتظره العائلة فليس التعويض المادي للإكتفاء الذاتي لأن ما من شيء يوازي قيمة خسارتها. بل أنها ترغب بالتبرع بالمبلغ للصليب الأحمر اللبناني لإقامة مركز له لأول مرة في وسط كسروان، وذلك تسهيلا لعمله في انقاذ المواطنين، على أن يخلّد المركز اسم “جوان” بطريقة ما. كما تطالب بتحديد المسؤوليات أقلّه معنويا، ليكون هذا الدرس القاسي عبرة لمن يظهره التحقيق متورطا في إهمال سلامة الطرقات العامة. وهنا تسأل العائلة عن سبب مماطلة وزارة الأشغال في الرد على القضاء.

إزاء هذه المأساة، يستحضرنا مشهد عشرات ضحايا حوادث السير على طريق كسروان، وهنا يشير نائب المنطقة العميد شامل روكز لtayyar.org أن العمل جار لوضع الحواجز الوسطية الملحّة بشكل مدروس ولو موقتا، حتى ولو أن الأعمال مجمّدة في الوقت الراهن إلى حين انجاز ثلاث مستديرات لفتح منافذ وعدم إعاقة عمل بعض المؤسسات. في موازاة ذلك يشدّد روكز على أهمية توسعة اوتوستراد كسروان الممتد من حريصا إلى عيون السيمان والذي يتولى دراسة مشروعها مجلس الإنماء والإعمار بتمويل من الصندوق الكويتي. لأن توسعة الاوتوستراد تسهم في إنماء القضاء من جهة، وتخفّف من ضحايا حوادث السير الذين خطف القدر العشرات منهم على هذه الطرقات.

اترك ردا