بيروت اليوم

سمكة المسممة في الأسواق.. احذروا النفيخة

المصدر : جنى الدهيبي – المدن

انشغل اللبنانيون أخيراً بالحديث عن انتشار أصناف من الأسماك المسممة على طول الشاطئ اللبناني، وقيام بعض الصيادين ببيعها. وهذه الأسماك، لاسيما من نوع النفيخة، تحمل سموماً خطرة قد تؤدي إلى الموت. ما دفع إلى السؤال عن مدى الخطورة الحقيقية التي تهدد سلامة الثروة السمكية في لبنان. بالتالي، صحة المواطنين عند تناولها.

ولعلّ الانذار التحذيري في البيان الذي أثارته جمعية “Green Area” الدولية، فتح باب السجال واسعاً، بشأن نسبة المخاطر التي تلاحق اللبنانيين عند شرائهم الأسماك وتناولها. ووفق بيان الجمعية، فإنّ ثمّة حاجة ملحة لمواجهة محاولات بيع بعض الأسماك من الأنواع البحرية، التي تحمل سم tetrodotoxin في مختلف المسامك اللبنانية، بعدما تبين عرضها للبيع في إحدى مسامك الميناء- طرابلس. كذلك، أشار البيان إلى أنّ بعض الصيادين يشجعون على أكلها، باعتبار أن موضوع السم مرتبط بكيفية تنظيفها فحسب، فيما بيعها ممنوع في أوروبا لما تحويه من خطرٍ على صحة المواطنين. فماذا يحدث في مسامك الميناء؟

في جولةٍ قامتْ بها “المدن” على عددٍ من مسامك الميناء، لقي سؤال “هل تبيعون سمك النفيخة؟” استغراباً واستنكاراً، كأنّ بيعه نوع من الجرم والجناية. الكلّ يرفض السؤال بحدّ ذاتها. “بس يجي لعندي صيّاد معو سمك النفيخة بكحشو فوراً”، يقول نصوح أنوس، وهو صاحب مسمكة الساحة، أكبر مسمكةٍ في الميناء. أنوس، الذي يملك مسمكةً تاريخية يبلغ عمرها أكثر من 70 عاماً ورثها عن والده، يتحدث بغيرةٍ عن مهنته التي توازي حرصه على صحة أبناء المدينة الذين أعطوه ثقتهم الكاملة، بشراء السمك الطازج. فـ”الأصناف السامة لا تدخل مسامكنا منذ زمنٍ طويل، بعدما أصدرت تعميماً بذلك. وكل الأسماك الطازجة التي نستلمها فجراً، ونحن نملك خبرةً واسعة في نوعيتها وفحصها، لا يوجد فيها نوع واحد من الأسماك السامة”.

لكن، ما حقيقة بيع وانتشار هذه الأسماك السامة؟ يضع أحد أشهر صيادي الميناء وغطّاسيها فرح حجار ما يُحكى في خانة “ضرب سوق السمك الطازج، لإنعاش سوق السمك المستورد”. فـ”هناك من يريد إلحاق الضرر بسوقنا، رغم أنّ سمك النفخية، ممنوع صيده وبيعه في الميناء. وهناك تحذير صريح بذلك”.

يعتبر حجار أن توقيت الحديث عن سمك النفيخة ليس بريئاً. “هلق عزّ دين الموسم”. والغاية، وفقه، هي ضرب موسم الصيد، لتعود منفعته على أصحاب النفوذ من كبار التجار الذين يستوردون الأسماك، في الوقت الذي يبيعون فيه أسماكهم أغلى من السمك البلدي الطازج. أمّا عن سمكة النفيخة، فيشير حجار إلى أنها منتشرة في البحر، ووزنها كبير، ويصفها بـ”السمكة الوقحة” التي تلحق الضرر بمحاولتها إفساد شباك الصيّادين. “لكن أحداً لا يجرؤ على بيعها في السوق”.

ويتطرق حجار إلى تراجع الثروة السمكية في الشاطئ بنحو 80%، وأنّ الصيادين الذين كانوا يأتون بالأسماك في السلال، أصبحوا يحملونها بالأكياس الصغيرة. يقول: “هناك خطر كبير يهدد ديمومة الثروة السمكية، وكذلك مهنتنا، بعدما انتشر الصيد العشوائي وغير القانوني من دون حسيب ولا رقيب”.

علمياً، وفيما كانت وزارة الزراعة قد أصدرت قراراً يحمل الرقم 676/1 بتاريخ 27 تموز 2011، بشأن “منع صيد ونقل وبيع واستهلاك بعض أنواع الأسماك”، لاسيما منها “النفيخة” و”المنفخ” (Lagocephalus spp وTorquigener spp) تحت طائلة المسؤولية، يشير مدير معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور منال نادر في حديث لـ”المدن”، إلى أنّ هناك فرقاً بين تسمم الأسماك من التلوث أو تسممها من طبيعتها السمكية.

وفي ما يخصّ الأسماك المسممة، يوضّح نادر أن لا وجود لما نسميه سمك الميناء أو بيروت. “البحر ليس مقسّماً”. هناك ما يُسمى علمياً “أسماك شرق البحر المتوسط”. قبل ثمانين عاماً، “دخل سمك النفيخة وسمك الأسد شرق البحر المتوسط من البحر الأحمر عبر قناة السويس، وهي منتشرة في كلّ الشواطئ”. في اليابان مثلاً، “المطعم الذي يريد تقديم سمكة النفيخة، يجب أن يكون مرخصاً من الدولة، وهناك شيف متخصص لطهيها. رغم ذلك، هناك نحو 100 شخص سنوياً يموتون في اليابان من تناولها”. لكن الصنف الذي يُحذّر منه في لبنان، وفق نادر، حتّى في اليابان يمنع صيده أو استيراده لخطورة السمّ الذي يحمله.

وكانت وزارة الصحة قد أصدرت بياناً تحذر فيه المواطنين من شراء سمك النفيخة. وأشارت إلى أن استهلاكها يؤدي إلى شلل تصاعدي وضعف عضلات الأطراف السفلية نظراً لاحتوائها على سمٍّ قاتل Tetrodotoxin في كامل جسمها، خصوصاً في المبايض والكبد والجلد. إذ “تبدأ عوارض التسمم بالظهور بعد مرور أربع إلى عشرين ساعة من تناول أو لمس السمكة. وقد يؤدي التسمم في بعض الأحيان إلى الوفاة نتيجة توقف عضلات التنفس والجهاز العصبي. والخطير أنَّه لا يوجد ترياق أو دواء لهذا السم حتى الآن”. كذلك، أصدر محافظ لبنان الشمالي رمزي نهرا تعميماً طلب فيه من البلديات “الواقعة على طول الشاطئ البحري لمحافظة لبنان الشمالي، التشدد بعدم السماح بعرض وبيع سمكة النفيخة”.

اترك ردا