بيروت اليوم

تفاصيل استشهاد محمد خشن | رصاص لصوص أنهى حياة شاب مكافح… رحل قبل أن يسكن منزلاً بناه بتعبه… وآخر ما قاله لأبيه مؤثر جدا

المصدر : عبير محفوظ

تلبدت سماء الجنوب اليوم بغيوم الحسرة والأسى… انهمرت غزيرة دموع اللوعة لتروي أرض الوطن الذي يزف أبناءه الى الغربة مجاهدين في سبيل لقمة عيش كريمة ثم يستقبلهم شهداء في توابيت القدر المشؤوم… بالأمس القريب ابراهيم ونعمان… ثم راجح وأبيه… واليوم تهيم الفجيعة في قلوب الأحبة الذين فقدوا الشاب الجنوبي المكافح محمد محمود خشن، ابن الـ29 سنة، شهيداً مجاهداً في سبيل لقمة عيش كريمة غمستها يد الاجرام بدمائه الطاهرة، حتى علت صيحات الأنين… فلا الصبر يعرف الى قلوب الأم المكلومة مرقداً ولا الى مهجة الأب المصدوم لفقدان رفيق دربه وابنه الوحيد، سنده وسند أختيه الحزينتين….

قرابة الساعة الخامسة من مساء يوم أمس الثلاثاء، همّ الشاب محمد خشن (من بلدة السماعية) وشريكه في العمل والسكن ايهاب بدران بالعودة الى منزلهما بعد يوم عمل مضن… ركب “محمد” الى جانب “ايهاب” الذي انطلق، كالعادة على أوتستراد كاليمبادش في لواندا في أنغولا…. ولاحظ الرفيقان خلفهما دراجتين ناريتين على متن كل منهما راكبين أنغوليين… تبادل الصديقان الشكوك، خاصة وانهما يعرفان أن هذه الفترة من السنة هي فترة تنشط فيها السرقات والجرائم في المنطقة، فحاول “ايهاب” تضليلهما، إلا أن الدراجتين تابعتا أثرهما بدقة…

وفي تفاصيل يرويها مقربون من الشابين لـ “موقع يا صور”، “أيقن “محمد” و”ايهاب” أن هؤلاء ينوون شراً… حاولا الهروب، إلا أن المجرمين أطلقوا النار على سيارتهما، فأصابوا الفقيد “محمد” في رقبته… اخترقتها الرصاصة واصطدمت بالمقود”…. ثم يتابع، وأنين يخنق كلماته، “هنا سقط محمد على صديقه ايهاب…هرب اللصوص المجرمون… وفقد ايهاب اعصابه… ما بات يقوى على فعل شيء… حتى مر بهم شاب يدعى “محمد” عمل على نقلهما الى اقرب مشفى….سيعود محمد الى أهله جثة على متن الطائرة التي اراد استقلالها ليفاجئهم في أعياد راس السنة”…..
وهكذا في غضون ثوان قليلة، اختار القدر “محمد” شهيداً في سبيل لقمة عيشه…. “محمد”، الذي أجمع أصدقاؤه ومعارفه في أنغولا، كما في لبنان، على دماثة أخلاقه وتهذيبه وحب الجميع له، لا يمكن أن يكون له اعداء أو مبغضين…. “هو شهيد مجاهد في سبيل لقمة عيشه”، هكذا ينعيه والده السيد محمود خشن، “هو ليس ابني البكر فقط… هو صديقي ورفيق دربي… هو الأخ الأكبر لشقيقاته الثلاث…. هو الذي واساني في مصابي لما فقدت ابنتي زهراء، وهي ابنة 14 سنة، في معركة أليمة مع السرطان…. هو الذي بعث في القوة…. سافر ليعمل في أنغولا منذ سنين… وعاد ليكون سندي عند وفاة جدته في رمضان هذا… ثم أخبرني أنه ينوي أن يؤسس عمله الخاص مع شريك في أنغولا…. سافر ليكمل بناء منزله الذي لن يسكنه…. سافر ليجاهد في سبيل حياة كريمة خطفه الغدر منها ومنا….اتصل بي أمس قرابة الساعة 11، قلت له،ـ “دير بالك ع حالك يا بيي فقللي انت دير بالك ع حالك يا بابا”…ورحل… عزاؤنا محبة الناس له ومعزة القريب والبعيد له…”

“قدر مشؤوم أن تولد لبنانياً”…. هي خلاصة يعيشها أبناء الجالية اللبنانية في أنغولا بعد فاجعة مقتل الشاب محمد…. فهم الذين ودعوا بيوتاً تربوا فيها…. غادروا أحضان أمهاتهم بلوعة وحسرة… تهربوا من لقاء أعينهم بأعين أبائهم الذين حلموا باليوم الذي يكبرون فيه ليكونوا لهم سنداً… فوجدوا أن لا بد من لحظة أليمة… فالغربة كربة: كربة الفراق، وألم اللقاء الذي نعلم أنه لن يطول، كربة المعاناة والكفاح، ثم يسطر القدر آية من آيات الاسى في قلوب الأحبة، فعسى أن يلهمهم الله الصبر والسلوان وأن يحمي المغتربين كما المقيمين…. من مصير مجهول أودى حتى اليوم بـ5 شبان جنوبيين في أقل من أسبوع.,.. ولا حياة لمن نناشد وننادي…. فأولياء أمور الوطن في أبراجهم يتناجون بحثا عن مقعد وزاري هنا ومنصب اداري هناك، بلوك نفط وصفقة وأكثر… أما المواطن، “فللبناني رب يحميه أو يجتبيه الى جواره شهيداً…”

اترك ردا