بيروت اليوم

بكلمات مؤثرة | أم الشابة ‘نعمت’ (21 سنة) خسرتها بالخبيث… وللمرة الأولى تدخل غرفتها: ‘وينك؟ بين شمعة عرس القاسم (ع) وشمعة مار شربل؟ بين تربة الحسين (ع) وصورة ستنا مريم (ع) وكل الأدوية؟!’

المصدر : عبير محفوظ

في لحظة غضب أو حزن أو احساس بمظلومية أو قهر، نتمنى الموت ولكن… لا نستطيع حتى التفكير مجرد تفكير بموت من نحب… لا نتصور حياتنا من دونهم، ولا نلتمس للقدر عذراً ان نوى أن يخطفهم من يومياتنا أو أن يخطفنا من دفء احضانهم…. ولكن….

لذاك “الخبيث” بطش جبار لا هوادة معه… لا رأفة بقلب ام ستفجع بفلذة كبدها عشقتها قبل ان تنفخ فيها الروح…. لا رحمة لأب تصالب وتحدى صعاب الحياة ليحقق أماني ابنته… لا رقة تعرفها مخالبه القانية الحمرة عندما تخدش أرواح أخوة وأصدقاء…

ينهش بأنيابه المتوحشة بعضاً من صورهم في ذاكرتنا ثم يرحل… على عجل يرحل، فيخلف لنا من روعة الذكريات وأقساها في آن ما لم تنل منه سرعته المباغتة… فيموت الاحياء عشقاً وشوقاً آلا المرات بعد رحيل الاحبة…

منذ حوالي الثلاثة أشهر، اسلمت الشابة نعمت جابر (21 سنة، من النبطية) الروح…تخلت عن دنيا الآلام ورحلت بعد معارك أليمة خاضتها مع الخبيث الذي قارعها المرة تلو المرة… ولكن… منذ موعد الرحيل، ما تجرأت الأم “ندين” أن تدخل غرفة ابنتها … ففيها من حلاوة “نيمو” ما لوث بالمرار حياة أسرتها بعد رحيلها…

نعتها بكلمات تلامس الروح فتدميها… لأن الكلام متى ما تلهج به القلب عبر الى الروح ونقش فيها ما لا تمحوه الأيام ولا تغفر جراحه معاني الصبر… عسى ان يتغمد الله “نعمت” بواسع رحمته وأن يغدق على والدتها قوة وعزماً على تحمل مرارة الذكريات التي تعصف بها كلما كُتِبَت للقلب نبضة….

اليكم ما نشرته السيدة نادين شعبان، والدة الفقيدة، علماً أنها دائماً ما تنشر من صورها مع العائلة وذكرياتهم معها

“اليوم يا ماما قويت قلبي و فتت عغرفتك
و غرقت
غرقت بدموعي
كل شي بعدو متل ما تركتيه

قرآنك ،مصليتك،الشمعة اللي جابتلك ياها اختك من مجلس القاسم…وينك مش وعدتيني نضويها السنة الجاي بعرس القاسم؟! وينك
و شمعة مارشربل كمان بعدها
و الشمعة اللي جبلك ياها حسونة

و تربة الحسين و الزيت و بخور ما شربل و ماي زمزم
وراية العباس و صورة ستنا مريم كلن بعدن مطرح ما تركتيهن
بس الأدوية ما بدي شوفن شلتن كلن ما بدي ياهن مش إلك هول

غرفة الصبايا الحلوين ما فيها أدوية و لا أبر ولا فحوصات و لا قناني اوكسجين كلن ما بدي شوفن
غرفة الصبايا الحلوين فيها اشيا حلوة
تركتلك ياهن محلن

علب الماكياج و الماسكارا و اقلام الكحل و الحمرة و الأشيا الكتيرة اللي بطّلت افهم فيها كلها بعدها مطرحها
عطورك و كريماتك و فرشاية شعرك الأشقر كلّن بعدن مطرحن
و بتعرفي شو يا نيمو …وقت اجا بابا الأسبوع الماضي من السفر جبلك معه قنينة عطر جديدة متل ما كان يعمل دايما…

بس انت ما كنت لتبوسيه و تاخديها منه…حطلك ياها بغرفتك حد باقي العطور وباس المخدة و ضهر
و غرقت يا نيمو
غرقت بذكريات حلوة وقت كنت تصوريني انا و منكوشة و تبعتي الصور لإمي و اخواتي و تضحكوا عليي
و اضحك انا و ياك على هالتخت اللي شهد على جنوننا لمّا كنا نغمى ضحك

حيطان غرفتك الباردة سألوني عنك قالولي وينها الحلوة اللي كنتي تتخانقي انت و ياها لتاخد الدوا وين صوتكن لمّا كان يعلا كرمال تاكل
سألوني ليش ما عم فوت على هالأوضة و غنيلك الأغاني اللي بتحبيها

تتذكري لمّا كنت غنيلك تلات دقات
كنت شوف عيونك عم تضحك و كنت حب ضحكة عيونك
و لمّا كنت غنيلك شو حلو حبيبي شو حلو

كنت تقليلي صوتك ماما روعة حرام ما قدمتِ على ذا فويس…و نضحك تنيناتنا
و مرّات كنّا نبكي
كنت أحضنك ونبكي تنيناتنا و كل مرّة كنت كذّب عليكِ و قلك انك حتصيري منيحة
بتعرفي يا نيمو…ما كنت كذّب عليكِ…عنجد كنت فكّر انك رح تصيري منيحة

مرة قلتك يا ريت هالوجع لإلي يا ماما
خفتِ عليي و قلتيلي لأ ما تقولي هيك
حسيت بوقتها انك انت إمّي

ايه اصلا انت إمّي
كنتِ تقليلي حطي إيدك عليّي إيدك دوا يا ماما
بس بالآخر حتى ايدي بطلت تنفع …

اليوم فتت عأوضتك لرتبلك ياها
بس ما عملت شي
تركتها متل ما هيي

حتى بلوزتك المعلوكة بقلب الخزانة تركتها معلوكة
تتذكري لمّا كنت قلك يا ماما تعلّمي تكوني مرتبة مين بدو ياخدك اذا شاف خزانتك هيك
تضحكي و تقليلي اصلا بدي ضل حدك

بس الأدوية البشعة شلتها ما بدي شوفها
و بتعرفي سبّيتلن كمان مش بس شلتن
كل شي تاني بعدو مطرحه من لمّا تركتيني
سكّرت الباب و تمنيت تاخديني لعندك”