بيروت اليوم

المبادرة الروسيّة تمتحِن لبنان… والحريري يُلقي جُرعة تفاؤل في بحر العقد

دخل تعطيل الحكومة شهره الثالث، وتزامنت استهلاليته مع وعد جديد أطلقه الرئيس المكلّف سعد الحريري بأنّ حكومته ستبصر النور في وقت قريب. هذا في وقت تبدو المبادرة الروسية حول النازحين وكأنها تمتحن لبنان وتختبر جديته وإجماعه على إنهاء هذا الملف الضاغط عليه، علماً انها أشاعت حيوية على كل الخطوط الداخلية، وحرّكت نقاشاً على كل المستويات حول كيفية تلقّفها والتفاعل معها بما يخدم تسريع عودة النازحين وإزاحة ثقلهم الكبير عن الجسم اللبناني.

المبادرة الروسية حول النازحين، فرضَت نفسها على المشهد اللبناني بنداً اولاً في أجندة الاهتمامات. خصوصا انّ الجانب الروسي يتبنّاها من موقع الواثق بسلوكها المسار المحدد وهو إنهاء هذا الملف بإعادة النازحين الى ديارهم، وهو ما تجلّى بخطوات ممهدة عبر وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت عن فتح معبرَين للاجئين السوريين من الأردن ولبنان. على أن يلي ذلك فتح ثلاثة معابر أخرى لهذه الغاية.

وقالت مصادر ديبلوماسية روسية لـ«الجمهورية» انّ موسكو تعتقد انّ ملف النازحين قد حان وقت إقفاله، وهي تَتفهّم حجم المعاناة التي يكابدها النازحون، وكذلك حجم العبء الذي يشكّله هؤلاء النازحون على الدول التي تستضيفهم، ومن ضمنها لبنان الذي يعتبر اكثر الدول استضافة للنازحين، موسكو عَبّرت عن استعدادها الدائم لمساعدة لبنان في هذا المجال.

وأشارت المصادر الى انها تتوقع بروز خطوات ايجابية وممتازة في المدى المنظور، وقد وضعت موسكو الدول المعنية في صورة المبادرة التي هي بصددها، خصوصاً في الاردن وكذلك الأمر تجاه لبنان الذي نلمس إيجابيّات في مقاربته للمبادرة الروسية. مشيرة الى دور اساس للسفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين.

والواضح انّ لبنان رفع من مستوى اهتمامه بالمبادرة الروسية، التي شكّلت امس، نقطة بحث اساسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. وعلمت «الجمهورية» انّ الرئيسين تبادلا المعلومات حول ما تَسرّب من المبادرة الروسية، وانّ الحريري أطلع عون على نتائج لقائه والوفد الروسي الذي زاره امس الاول قبل ان يوسّع من لقاءاته امس لتشمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

وبحسب المعلومات، فإنّ المحادثات بين عون والحريري خلصت الى موقف لبناني موحّد من المبادرة الروسية، واقترح رئيس الجمهورية على الرئيس المكلّف ان يكون الوفد اللبناني موسّعاً في اللقاء المرتقب عقده اليوم في قصر بعبدا مع الوفد الروسي الدبلوماسي – العسكري الذي يترأسه الموفد الخاص للرئيس فلاديمير بوتين الى سوريا، والذي سيضمّ الى الموفد ألكسندر لافراتييف نائب وزير الخارجية سيرغي فرشينين وعدداً من كبار الضباط من وزارة الدفاع وكبار مسؤولي وزارة الخارجية الروسية، وامّا عن الجانب اللبناني فسيحضر الى عون والحريري وزير الدفاع وقائد الجيش والمدير العام للأمن العام ومدير المخابرات في الجيش اللبناني وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية اللبنانية.

اللواء ابراهيم
وفي السياق ذاته، إلتقى رئيس الجمهورية بعيداً من الأضواء اللواء ابراهيم، الذي نقل اليه حصيلة الإجتماع الذي عقده والوفد الروسي الذي زاره أمس برئاسة الملحق العسكري الروسي بالوكالة العقيد Denis Khitryy، وبحث معه في الآليّات المقترحة لشكل ومهمة لجنة التنسيق اللبنانية – الروسية التي يقترحها الروس لإدارة ملف إعادة النازحين السوريين في ضوء المبادرة الروسية الأخيرة وكيفية مقاربة الموضوع، كما تمّ التفاهم بشأنه بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.

وعلمت «الجمهورية» انّ من بين المقترحات المتداولة ان يكون اللواء ابراهيم باعتباره من يدير هذا الملف بالتنسيق مع السلطات السورية رئيس الفريق اللبناني في اللجنة المشتركة، والتي سيترأس الجانب الروسي منها السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين.

ولفتت مصادر دبلوماسية وسياسية لـ«الجمهورية» انّ زيارة الوفد الدبلوماسي العسكري الى لبنان تتزامن ووجود وفود روسية اخرى في تل ابيب برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف، كما في فرنسا والمانيا سعياً الى أوسع توافق دولي على خطط إعادة النزوح وكلفته المقدرة على الأراضي السورية.

تفاؤل… ولكن!
حكومياً، وبينما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يعلن امام نواب لقاء الاربعاء في عين التينة، انه لا يملك معطيات جديدة حول تأليف الحكومة، ويُعرب عن أمله في ان يحمل لقاء الرئيسين عون والحريري ما وصفه بري «بشائر خير»، كان الرئيس المكلّف يُطلق من القصر الجمهوري جرعة تفاؤلية جديدة ويسقطها على مسار التأليف. بالتوازي مع رسالة ثانية في اتجاهات مختلفة، يؤكد من خلالها التناغم الكامل بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، وينفي وجود خلاف بينهما، «فهذا غير موجود لا في قاموسه ولا في قاموس عون».

عون والحريري
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري حمل الى عون صيغة مُنقّحة للحصص الوزارية بعيدة عن السقوف العالية التي رفعهتا الأطراف، والتي تشكّل في أساسها العقدتان الدرزية وحصة القوات اللبنانية، ومن دون أن تطال الصيَغ السابقة التي قدّمها الحريري عن التمثيل السني.

وبحسب المعلومات فإنّ الجو بين الرئيسين كان ايجابياً، وانّ عون اقترح تعديلات محدودة على الصيغة المقترحة من الحريري طالت التمثيل الدرزي، فيما أشارت مصادر المعلومات الى انّ مسألة تمثيل «القوات» ليس صعباً توفير مخرج لها. علماً انّ المخرج المقترح يقوم على إعطائها 4 حقائب وزارية. وفي خلاصة النقاش اتفق على تكثيف الاتصالات، على ان يعود الحريري في زيارة قريبة الى القصر الجمهوري ربما قبل نهاية الأسبوع الجاري، إذا ما انتهت اتصالاته التي تعهّد بها الى أجواء إيجابية.

ماذا في المطبخ؟
الى ذلك، قالت مصادر مطّلعة على ما يجري داخل هذا المطبخ، لـ«الجمهورية»: «حتى الآن لا يمكن القول إنه تمّ بناء الارضية الصالحة لإشادة المبنى الحكومي عليها، فالتأليف ما زال في مرحلة البدايات، ولم يغادر بعد مربّع الفشل الذي يراوح فيه منذ ان شغّل الحريري محركاته قبل أسابيع.

وبحسب المصادر، فإنّ هذه الجرعة التفاؤلية الحريرية استندت الى رغبة الرئيس المكلّف المُعلنة بتفعيل حركة مشاوراته، وأراد من خلالها الحريري ان يوجّه رسالة الى من يتهمون بالمماطلة وتضييع الوقت يؤكد فيها انّ حجر الاساس قد تمّ وضعه لبناء حكومته، وذلك لدحض الكلام الذي يتسرّب من مصادر مختلفة من انّ حركته لم تؤدّ الى تقدم يذكر. وهنا بيت القصيد، الّا انها لم تستند الى وقائع ملموسة وايجابيات جدية تؤشّر الى رَدم تلال التعقيدات التي ما زالت ماثلة في طريق حكومته.

«شويّة وقت»
والبارز، في موازاة ما قيل عن انّ الحريري قدّم لرئيس الجمهورية امس، مسودة حكومية معدّلة عن سابقاتها لم يحسم التوافق عليها بعد، هو ما أشار اليه الحريري بوضوح حول استمرار هذه التعقيدات، وإن كان وَصَفها بالطفيفة، الّا انها تحتاج الى «شوَيّة وقت» على حد تعبيره.

واذا كان الحريري قد تَجنّب تحديد سقف زمني للـ«شويّة وقت» التي تحدّث عنها، الا انه يتحدث عن فترة، سواء أكانت طويلة او قصيرة، تبقى مفتوحة على احتمالات شتى، في ظل الوضع المعقّد على خط التأليف، والذي ازداد صعوبة في الآونة الاخيرة جرّاء ما وصفه مُطّلعون على ما يجري في مطبخ التأليف «اختلاط البُعد السياسي للتأليف بالبُعد الشخصي، وانّ كل طرف عَلّق نفسه في سقف شروطه ولم يعد في مقدوره النزول تحته، حيث باتَ الأمر يحتاج الى صديق حيادي، يتمتع بالمواصفات والقدرات التي تمكّنه من لعب دور الوسيط النزيه القادر على إقناع الاطراف بتخفيض أسقفهم والخروج من ساحة المعركة على الحصص والحقائب».

وسيط نزيه!
ويعكس هؤلاء المطلعون أجواء صعبة حتى ولو تأمّن الوسيط النزيه، تتمركز في اربع نقاط: الأولى، عقدة الثلث المعطّل الذي ما زال التيار الوطني الحر يصرّ عليه مدعوماً بموقف رئيس الجمهورية. الثانية، العقدة المسيحية التي صارت أقل صعوبة مع ليونة القوات اللبنانية في ما خَصّ حجمها التمثيلي والحقائب التي ستسند اليها، الّا انّ هذه الليونة لم يجرِ تلقّفها بعد من قبل التيار الوطني الحر. والنقطة الثالثة، العقدة السنية التي هي العقدة الأسهل، التي يمكن ان يجري حلّها بحوار ومقايضة ما، في ظل عدم استعداد ايّ طرف على الدخول في معركة حول هذا الأمر.

امّا العقدة الاصعب في طريق التأليف، فهي العقدة الدرزية. وسط إصرار شديد من قبل وليد جنبلاط على حصر التمثيل الدرزي بحزبه الاشتراكي، واستبعاد طلال ارسلان على اعتبار انّ الأخير يعبر الى التمثيل الدرزي على جسر الآخرين. ومن وحي هذا الاصرار جاء بيان اللقاء الديموقراطي أمس، حيث جدّد فيه الدعوة «للإسراع في عملية تأليف الحكومة، وعدم إضاعة الوقت خلف حجج ومبررات واهية»، مطالباً «بالترَفّع عن الخطاب الغرائزي واعتماد لغة العقل والمنطق والواقعية في مقاربة المطالب الوزارية وفق معيار واضح من أجل إنجاز عملية التأليف بعيداً عن منطق أو معادلات التعطيل وعن منطق الأكثرية والأقلية، وذلك من أجل التفرّغ لمواجهة القضايا الإقتصادية والإجتماعية التي تهمّ المواطن اللبناني».

لبنان القوي
علمت «الجمهورية» انّ تكتل «لبنان القوي» عقد اجتماعاً داخلياً تنظيمياً بهدف التنسيق لجلسة اللجان المشتركة التي ستنعقد اليوم الخميس، وعلى جدول أعمالها مشاريع واقتراحات قوانين أحيل البعض منها من الحكومة، منها ما هو جديد ومنها مشاريع قوانين قديمة بحثت في اللجان مراراً بغية إقرارها. ومن أبرز المشاريع والاقتراحات التي يهمّ «التكتل» أن تقرّ سريعاً وهو يعمل على ذلك، إقتراح قانون يرمي الى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، إقتراح قانون يرمي الى حماية كاشفي الفساد، مشروع القانون الذي يهدف الى تعديل الكتاب الخامس من قانون التجارة البرية، مشروع القانون المتعلّق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي والإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، إضافة الى كل ما له علاقة بتنشيط الاقتصاد من خلال دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتسهيل تمويلها، وسواها من المشاريع التي تهدف الى المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيزه عبر ارتباطها بمؤتمر «سيدر».

وأكدت مصادر التكتل مشاركته في هذه الجلسة بفاعلية لتزخيم العمل التشريعي، خصوصاً الهادف الى تحقيق هذه المسائل من مكافحة الفساد الى تعزيز الشفافية والنمو الاقتصادي.

وقال امين سر «التكتل» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «ننظر بإيجابية الى تفعيل العمل التشريعي بعد الانتخابات النيابية، خصوصاً اننا مقبلون على تحديات مالية واقتصادية كبيرة تحتاج الى إصلاحات جدية مدخلها الرئيسي تطوير التشريعات المالية والتجارية اللبنانية إنسجاماً مع الواقع الاقتصادي المحلي والعالمي، ووفقاً لإصلاحات موازنات ٢٠١٧ و٢٠١٨ ومؤتمر «سيدر» الدولي، ما يؤهّل لبنان لتعزيز ثقة المستثمرين باقتصاده».

المصدر : الجمهورية

 

اترك ردا