بيروت اليوم

آية من ايات الوفاء من الشاب ‘راسخ’ لرفيق عمره الشهيد ‘فضل’ | منذ استشهاده، يزور ضريحه كل يوم… فالمحبة لاترحل!!!

المصدر : عبير محفوظ

متى ما فقد المحب عزيزاً، ترى المواسين يطمئنون، “انها مسألة وقت….فكل مصيبة تبدأ صغيرة وتكبر الا الموت….. تبدأ مصيبته كبرى وتصغر مع الوقت”…. ولكن من خَبُر للحب والود منهلى يدرك أن الموت وان خففت الايام من علامات اساه، الا انها تحفر عميقاً في جرح الفراق آيات من لوعة وتنفث فيها من لهيب الاشتياق ما لا يطفئه طوفان من سيول الايام… تماماً هو كجبل جليد…. كلما تضاربت امواج الوقت مع اطرافه، تراه يصغر فوق سطح الماء ولكن براثن صقيعه ستتمدد وتغور في عمق البحار تقتل فيها ما كان من أمل بالحياة…. وما للمشتاقين سبيلاً الا بلسم الوفاء والبقاء على العهد….
هكذا يواسي “راسخ” نفسه باستشهاد صديق عمره الشهيد “فضل”…. فقصتهما أروع من أن تصدق واسمى من أن نؤمن بأنها قد تتحقق في عالم باتت الخيانة فيها أصلاً لا طارئاً على علاقات تحكم الكثير من الناس في دنيا الغدر والاذى…..
في 12 تشرين الثاني 2015، دوت منطقة برج البراجنة في بيروت بانفجارين ارهابيين داعشيين نتج عنهما استشهاد العشرات من الابرياء وجرح المئات ممن لا حول لهم ولا قوة…. هالت الصدمة كل ذي حس انساني، واتشحت قلوب اللبنانيين بالسواد حداداً على ارواح الشهداء…. وما كان الشاب “راسخ نعمة” (23 سنة) ليتوقع ان يكون صديق عمره “فضل حلال” من بين الشهداء…. ولكن شاء القدر أن يخط بدمائه الزكية نهاية أليمة لابن المؤسسة العسكرية الوطنية التي عاهدت نفسها على الشرف، والتضحية، والوفاء…

صاعقاً كان الخبر…. على كل من أحب الشهيد “فضل”… ولكن الجميع كان يلتف برأفة وعطف حول صديق عمره “راسخ” الذي لم يتقبل حينها فكرة أن من رافقه في جميع مراحل حياته، قد اختار الرحيل الى دنيا الخلود وتركه وحيداً لفجيعة الوحدة…. فالجميع يعلم أن “راسخ” (من بلدة حبوش الجنوبية) والشهيد “فضل” تصادقا منذ أن كانا في الخامسة من عمرهما….ومنذ ذلك الوقت، لا يذكر أحد أن رأى واحدهما دون الآخر… كانا فعلاً رفقاء الدرب…. فـ”راسخ” الذي كان دائماً ما يطمئن على صديقه خلال تأديته المهام العسكرية في الجيش، كان واثقاً من “البطل فضل”…. فـ”فضل” أقوى من ان تهزمه معركة…. ولكنه ارتقى في عمل ارهابي جبان….

ومنذ أن وري صديقه الثرى، ما زال “راسخ” على العهد معه….يزوره كل يوم عند ضريحه… وإن بكلام صامت، فهو يخبره عن كل ما جرى معه في يومه، تماماً كما لو كان معه…. وتراه بين اليوم والآخر، يزين له ضريحه ليليق بـ”روعة الرفيق” الراقد تحت ترابه….

بوجه ينبض محبة ويرشح حزناً أدمى روحه الفتية، يغادر الشاب “راسخ” مدفن صديقه “فضل” على عهد أن يعود اليه في اليوم التالي… بينما روحه تراه تتهادى الى بارئها أملاً بلقاء قريب….رؤياه في حلم أو طيف أو اكثر… فلا يعرف لذة الشوق الى صديق الا من يكابدها…. فبهذا الشوق وحده يعزي الوفي نفسه ببعد من تمنى لو أمضى معه المزيد من وقت غادِر…. لو كان له كلمة وداع أخيرة….. لو كانت له وصية أمينة…. ولكن…. هنيئاً لـ “فضل”: بشهادته مرة، وبوفاء صديق عمره “راسخ” ألف مرة…. فكم نمضي عمراً طويلاً نبحث عمن يحفظنا في غيابنا أكثر من حضورنا ولا نجد، بينما في قصير عمره، وجد “فضل” من يخلد ذكراه ويهديه الدعاء كلما استطاع اليه محباً سبيلاً….

اترك ردا