منوعات

ما علاقة القُرحَة بالتوتر؟

المصدر : د. أنطوان الشرتوني – الجمهورية

أصبح معروفاً أنّ هناك علاقة وطيدة ما بين الحالة النفسية والمعدة. إذ تظهر آثارُ أقلّ إرهاق نفسي على المعدة من خلال إضطرابات جسدية عدّة منها: النفخة، عسر الهضم، الغازات، وصولاً إلى القرحة.

يساعد الدواء طبعاً في العلاج ولكنّ المتابعة النفسية فعّالة أيضاً لمعالجة إضطرابات المعدة وخصوصاً القرحة. فما هي إضطرابات المعدة؟ وكيف يفسّر علم النفس العلاقة ما بين الحالة النفسية والقرحة؟ وما هي أهم النصائح التي يمكن توجيهُها للمرضى؟

يظهر إنزعاج الكثير من الأشخاص، عندما يمرّون بحالة نفسية سيّئة كالكآبة أو القلق، من خلال آثار مضرّة على الـ«قولون». فتتحوّل إنفعالاتهم النفسية وإضطراباتهم إلى آلام وأمراض في المعدة كالقروح والنفخة والغثيان والإسهال والإمساك، إلخ… ويصبح المريض بالتالي منزعجاً من حالته النفسية والجسدية على حدّ سواء.

صحيحٌ أنّ هناك مجموعة من الإضطرابات الجسدية في المعدة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالحالة النفسية، لكنّ المشكلات الهضمية لا تنشأ كلّها عن مشكلات نفسية.

الضغط النفسي وأمراض المعدة

يفسّر العلماء والأطباء أنّ عاطفة الإنسان مرتبطة بمعدته من خلال الدماغ الذي يلعب دوراً بارزاً أثناءالضغط النفسي. والإيجابي في الموضوع هو أنّ المعالجة الدوائية تستطيع مساعدة الإنسان في قمع هذه الإضطرابات الجسدية رغم حالته النفسية.

ولكن عندما ينتهي مفعول الدواء، تظهر الإضطرابات الجسدية مرّة أخرى. لذا، أكّدت دراسات نفسية جديدة في عدد من الجامعات الأوروبية أنّ العلاجات النفسية يمكن أن تساعد مشكلات المعدة وتحلّها.

أبرز مثال في هذا السياق «عسر الهضم غير القرحي» (Nonucler Dyspepsia) ومن أعراضه الغثيان والإقياء في منطقة البطن. كما يشعر المريض بالتخمة ويستيقظ المريض أحياناً من نومه بسبب الآلام.

وعندما يطلب الطبيب بعض الإختبارات الطبية، لا تظهر أية آثار في إختبارات الدم. كما لا تظهر إضطرابات هذا المرض في الفحوصات الداخلية أو الصور الإشعاعية…

وبالتالي يمكن الإستنتاج بأنّ هذا الإضطراب ليس مرضاً عضوياً، بل سببه واضح وهو نفسي. ورغم كل التفسيرات عن موضوع «عسر الهضم غير القرحي»، ما زال العديد من الأطباء يؤكدون بأنّ سببه يمكن أن يكون «جرثومة» أو إستعمال متكرّر للعقاقير.

القرحة والقلق

هناك عوامل نفسية محدّدة تؤثّر في ظهور القرحة الهضمية عند الإنسان. وأكّدت دراسات كثيرة أنّ الأشخاص الذين يعانون من هذا الإضطراب الجسدي هم قليلو الأصدقاء ولا يمكنهم بسهولة التعبير عن قلقهم أو خوفهم الذي يكون هو سبب ظهور القرحة. كما أنّ الأشخاص العدوانيين وسريعي الغضب هم اكثر عرضة للإصابة بالقرحة الهضمية.

ورغم أنّ الأطباء ينصحون المرضى بالإبتعاد عن المشروبات الكحولية والتدخين وغيرها من السلوكيات التي تساعد في ظهور القرحة، على الأطباء أن ينصحوهم أيضاً بالإبتعاد عن كل ما يثير القلق أو الحزن.

وكشفت الدراسة أنّ المرضى الذين كانوا يعانون درجات عالية من التوتر والضغط النفسي، لديهم أعلى معدلات الإصابة بقرحة المعدة. وطبعاً، يزيد القلق النفسي المستمر، الذي يظهر منذ وقت مبكر في الحياة، نسبة ظهور القرحة في المعدة.

القرحة والأمراض النفس-جسدية

تعتبر قرحة المعدة من أحد الأمراض النفس-جسدية، أي أنّها حالة عضوية في أصلاً، إلّا أنّ العوامل النفسية قد لعبت دوراً أيضاً في ظهورها عند الإنسان.
وتمّت دراسة الأسباب التي يمكن أن تكون السبب المباشر لهذا المرض ونذكر منها:

  • يمكن للاكتئاب أن يكون سبباً مباشراً للقرحة، فما زالت الدراسات النفسية تدرس العلاقة ما بين الإكتئاب ووجع المعدة. ومن المعروف أنّ الأشخاص المكتئبين يعانون قلة الشهية أو حتّى إنعدامها.
  • يُعتبر القلق والهم والتوتر والخوف من العوامل التي تساعد على الإصابة بقرحة المعدة لدى الأشخاص الذين لديهم الاستعداد.

أما بالنسبة للتفسير الطبي، فالقلق ينشّط إفراز بعض أنواع الأحماض التي تؤدّي إلى الإصابة بقرحة المعدة. كما تشير بعض النظريات العلمية إلى أنّ الحالات النفسية تقلّل من المناعة بصفة عامة لدى الإنسان، وبالتالي تؤثّر على صحّته.

معالجة القلق والقرحة

تساعد الأدوية المضادة للقلق والتوتر في تخفيف أعراض قرحة المعدة ولكن لا نستطيع أن نقول إنها تمنع حدوثها. وما قد يمنع حدوث القرحة هو الوسائل العلاجية النفسية كالإسترخاء والعلاج النفسي بالموسيقى من خلال الاستماع إلى موسيقى هادئة التي ترخّي عضلات الجسم.، إضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام ويوميّاً (كالمشي والركض) والإعتناء بالنظام الغذائي السليم من خلال التركيز على أكل الخضراوات والفواكه الغنية بالفيتامينات وشرب الماء بشكل منتظم، والإبتعاد عن التدخين الذي يضرّ بصحة الإنسان ويؤدّي إلى أمراض سرطانية خطيرة وغيرها من السلوكيات السوية التي تُبعد عن الشخص شبح القرحة وآلامها وأعراض القولون العصبي و»عسر الهضم غير القرحي».

وبالطبع إذا أصيب الإنسان بالقرحة، نصيحة الطبيب المختص هي أساسية. وإذا كان القلق هو سبب هذه القرحة، سوف تساعد الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب المريض. ولكن عندما يختفي مفعول الدواء، ستظهر من جديد الأعراض، لذا العلاج النفسي مهم جداً.