بيروت اليوم

عرض إيراني مُذهل للبنان دواء أرخص بـ 90%

المصدر : ليبانون ديبايت – عبدالله قمح

مذهلة فروقات أسعار الدواء بين لبنان وإيران. الوفد الإعلامي الذي زار الجمهورية الاسلامية الايرانية خلال الأسبوع الماضي ومكث فيها قرابة السبعة أيّام بدعوة من وزارة الصحة الايرانية، لمسَ هذه الفروقات التي وصلت في غالبية الأحيان إلى 90%، مما أتاح لأعضائه أن يسألوا: “لماذا الدواء غالٍ في لبنان؟؟!”

يعود السبب في ذلك إلى الآليات المعتمدة من جانب البلدين، فبينما يعتمد الطرف اللبناني على استيراد الدواء وفتح سوقه أمام الشركات الأوروبية والاميركية، تتبنى إيران سياسة الاعتماد على السوق المحلي بنسبة 96%، إذ تقوم أكثر من 100 شركة محلية (بعضها موقع شراكات مع شركات إنتاج دواء اوروبية) بإنتاج الدواء المحلي بجودة عالية ووفق المعايير العالمية، مما جعل من الدواء منخفض السعر الى حدود لامست مثلاً 50 سنت علبة دواء داء الضغط الواحدة!

من بين الاسباب ايضاً لجوء إيران الى انتاج بعض المواد الاولية، او استقدام أخرى من دول خارجية باسعار متدنية جداً، بالاضافة الى ذلك، انتهاج وزارة الصحة الايرانية لسياسات رقابية على الاسعار وأخرى تحد من التهريب، فضلاً عن تغذيتها السوق المحلي بأكثر مما يحتاجه، ما جعلها من الدول ذات الفائض المرتفع من الدواء.

خلال لقاء بين الوفد الإعلامي اللبناني مع معاون وزارة الصحة الإيرانية لشؤون التنمية والموارد البشرية الدكتور غلام رضا أصغري، شرح الآليات التي تعتمدها إيران لبلوغها هذا المستوى من التطور الدوائي والائتماني، والتي تقوم على الاستفادة من العقول الايرانية وتجيير الطلاب ذوي الاختصاصات العلمية الى أكثر من 80 كليّة طب في الجمهورية الاسلامية تعتمد في مناهجها التعليمية على مناهج ودراسات خارجية وقسم داخلي تعود حصرية انتاجه الى علماء وخبراء محليين.

ويتابع ان سرّ التفوّق الايراني في مجال صناعة الدواء، يعود إلى تلك الكفاءات التي جرى تجييرها على مدى سنين، ومن ثم إعادة ضخها في السوق الإيراني على شكل خبراء صناعة دواء، مما جعل من شركات إنتاج الدواء الإيراني ترتقي في المستوى لتبلغ قدرتها الإنتاجية الحالية إلى حدود جعلت منها دولة مكتفية ذاتياً في مجال الدواء، إذ تنتج 96% محليّا وتستورد نحو 4% فقط من الخارج، ثم دولة مصدرة تستورد منها بين 30 إلى 40 دولة من بينها ​روسيا​ و​العراق​ و​سوريا​ واذربيجان وتركيا ودول أخرى.

لماذا لا يحذو لبنان حذو إيران؟

هناك طريق طويل للوصول الى الهدف، بدايته تقوم على “تصفية النيّة” واتاحة المجال لتأسيس شركات محلية لبنانية تخلف شركات الدواء الاوروبية والاميركية، فكما في إيران كفاءات علمية كذلك في لبنان، إذ تستقبل الجامعات الايرانية اعداد كبيرة من الطلاب اللبنانيين المهتمين في مجال الطب.

العائق في لبنان، بحسب المسؤول الإيراني كما عدد من الخبراء المحليين، هو تفضيل الشركات الاوروبية والأميركية على ما عداها، علماً أن هذه الاخيرة تقدم الدواء إلى لبنان بأسعار مرتفعة.

يكشف الدكتور غلام رضا أصغري عن رؤية استراتيجية ايرانية تقوم على مساعدة لبنان في مجال انتاج وتصنيع الدواء، وذلك على مراحل تبدأ من تأمين الكفاءات العلمية، ثم تأسيس الشركات، ثم المصانع.. لكن هذا الطريق بحاجة الى قرار سياسي كبير على مستوى محلي، أي بمعنى آخر، يستند في الأساس على التخلي عن الحاجة للشركات المحتكرة للسوق اليوم.

بصريح العبارة، يعرب أصغري عن استعداد إيران لتأمين حاجة لبنان، على وجه الخصوص استعداد بلاده لتدريب اختصاصيين لتصنيع الدواء في لبنان، مما يساعد على تخفيض الأسعار إلى 1 على 10، أي بنسبة 90%. وبحسب الرؤية الايرانية، الطريق الى ذلك بحاجة الى تأسيس شركات وبعدها تصبح الامور سهلة من جانب الجمهورية الاسلامية التي على اهبت الاستعداد لتوكيل شركات ايرانية في مجال مساعدة لبنان على الحذو خطوة الى الامام في هذا المجال.

لكن قبل الوصول الى ذلك، توفر الجمهورية الاسلامية طرقاً أقصر، تقوم على تسجيل عدد من أصناف الدواء الإيراني لدى وزارة الصحة اللبنانية، ما يتيح شرائها من قبل المستهلك اللبناني بنسبة اسعار اقل بـ90% من الموارد الاخرى وبنفس الجودة.

لكن يبدو ان الأمور متعثرة بعض الشيء نتيجة انطواء الوزارة في لبنان على تفضيل الدواء الاوروبي والاميركي لا الايراني أو غيره، وهذا له اسبابه التي تبدأ من سطوة تلك الشركات على السوق اللبناني بالاضافة الى اسباب سياسية أخرى رفض المسؤول الايراني الخوض بها كما الخوض في الاسباب آنفة الذكر.

وسط ذلك يكشف أن بلاده في طور العمل على تسجيل العديد من المنتوجات الإيرانية لدى وزارة الصحة اللبنانيّة، داعياً المسؤولين اللبنانيين الى تلقف المسعى الإيراني وانتهاج سياسة الانفتاح بما يخدم الشعب اللبناني. ثم يقدم عيّنة صغيرة عن الفروقات بين البلدين، فبينما تستثمر ايران ذات الـ 80 مليون نسمة مبلغ 5 مليار دولار في مجال صناعة الدواء، ينفق لبنان الذي يقطنه نحو 4 مليون لبناني، مبلغ 1.4 مليار دولار اميركي تقريباً على شراء الدواء، أي ما نسبته 28% من الذي تنفقه إيران!

ووفقاً خبراء في المجال، ان لبنان يستطيع توفير أكثر من نصف المبلغ تقريباً في حال انتقل الى شراء الدواء من مصادر ذات جودة غير الاوروبية والاميركية، ثم أكثر من ذلك في حال قرر انتاج الدواء في الداخلي بجهود محلية صافية.. فهل سيقدم لبنان على خطوة شجاعة من هذا النوع؟

اترك ردا