العالم اليوم

ظهر يتحدث عن كورونا فبدا متوتراً، فاقد التركيز ويصافح الناس بلا اكتراث.. هل هناك ما يخفيه ترامب؟

بينما كان الرئيس ترامب محاطاً بحِفنة حامية من رجال الأعمال والمستشارين، تلقّى طعنة أخرى بينما يخاطب الأمّة بشأن أزمة فيروس كورونا يوم الجمعة 13 مارس/آذار ليعلن “حالة الطوارئ بالبلاد”، وبعض التدابير المُتخذة لمكافحة انتشار المرض، وبدا أداؤه مخيّباً للآمال للدرجة التي تدفعك للتساؤل عمّا إذا كان شيء ما ليس على ما يرام.

كان صوته متوتراً، ويضيق عينيه، وبدا الرئيس لأوّل مرّة فاقد التركيز وطاقته منخفضة وربما مفرط التأثّر. لحسن الحظ، جلب ترامب معه عوناً يتمثّل في خبيري الصحّة الحكوميين، الطبيب أنثوني فوسي والدكتورة ديبورا بيركس، اللذين ردّا بمشقة على أسئلة الصحافيين في حديقة الزهور، واستعرضا حقائق واضحة بشأن طبيعة الجائحة والآلية التي يتسنّى لتدابير الصحّة العامّة المساعدة من خلالها. أنثوني فوسي هو مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة، أما ديبورا، فهي منسّقة البيت الأبيض لشؤون الاستجابة لفيروس كورونا.

وبالتزامن مع إغلاق المدارس، وتقلّص التجمعات العامّة، وممارسة الذين يعانون من أيّة أعراض العزل الذاتي، قد تتباطأ وتيرة انتشار العدوى وينال الأكثر عرضة للإصابة حماية من الفيروس، حسبما يُطمئن كلاهما.

وما يحسب له أنه أعرب ترامب عن تفاصيل سياسته للتعامل مع الأزمة -التي تنطوي على توفير 50 مليار دولار من التمويل الفيدرالي لتمويل وزارة الصحة ومرافق الكشف عن الفيروس- وهي أمور كانت مفقودة حينما واجه الرئيس الأمّة بخطاب كارثي من المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض يوم الأربعاء 11 مارس/آذار.

وكانت الملاحظات الأكثر وضوحاً التي أدلى بها يوم الجمعة بمثابة تغيير مُرحّب به، لكنّ الكلمات المختلطة التي سرعان ما تفوّه بها كانت تذكيراً متنافراً بشأن حقيقة الرجل الذي يمسك بيده زمام الأمور. إذ قال إن أمريكا “تحتل المرتبة الأولى في العالم”، وتساعد الدول الأخرى، وأضاف أن هؤلاء “يبلون بلاءً حسناً في بعض الحالات، وفي حالات أخرى لا يسيرون على ما يرام إطلاقاً”. وهذا لا يعني شيئاً على الإطلاق.

يعد مستوى الأزمة التي تواجهه البلاد في ظل هذه الجائحة جديداً من نوعه، وطالما كان أداء ترامب بالغ السوء، ومألوفاً على هذا النحو. على سبيل المثال، لا تتوفر اختبارات الكشف عن الفيروس على نطاق واسع، ويرجع هذا جزئياً إلى أن الإدارة الأمريكية رفضت من جانبها استخدام منظومة الفحص التابعة لمنظّمة الصحة العالمية، بل قررت بدلاً من ذلك تطوير منظومتها الخاصّة، التي لم تُبل بلاءً حسناً كما كان متوقّعاً لها من قبل، حسب تحقيق أجرته مؤسسة ProPublica. وهذا القرار المصيري، الذي أهدر وقتاً ثميناً، يساعد في تفسير سبب تحسن دول أخرى في تتبع الفيروس، فهذا التتبع ضروري للحد من تفشي المرض.

عندما طلب أحد الصحفيين من ترامب يوم الجمعة أن يعالج بشكل صريح أوجه القصور في النهج الأمريكي المُتبع بشأن الفحوصات اللازمة للكشف عن الفيروس، نفض العبء عن عاتقه بالكامل، إذ قال: “لا، أنا لا أتحمل مسؤولية هذا على الإطلاق”. ويتسّق هذا الإنكار -بعد أسابيع من التقليل من شأن خطورة الفيروس على الأمة- مع عادته القديمة المتمثلة في تفادي إلقاء اللوم على النتائج السيئة لسياساته. ولكن في هذه اللحظة، هل لنا حقاً الاعتماد على قائد يرفض تحمل المسؤولية؟

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تعليقات ترامب بخصوص تعرضه لفيروس كورونا خلال لقاء عقده مؤخراً في منتجع مارالاغو، حيث صوّرته الكاميرات إلى جوار رجل أثبتت نتائج فحوصاته إصابته بالفيروس لاحقاً. وخضع المسؤولون الحكوميون الآخرون الذين تعرضوا للفيروس بهذه الطريقة للحجر الذاتي بغرض حماية الآخرين. وهذا إجراء يوصي به الخبراء، ولكن ترامب لم يفعل ذلك.

في المؤتمر الصحفي، رفض في البداية تعرضه للفيروس، ثم غير دفّة حديثه ليقول إنه قد خضع لفحص الكشف عن الفيروس في واقع الأمر. وفيما يعد تجاهلاً لتوجيهات مسؤوليه الصحيين، صافح ترامب العديد من المديرين التنفيذيين لشركتي Walgreens و CVS وآخرين ممن انضموا إليه على المنصة. ويشير هذا النوع من التذبذب بشأن المخاطر والإهمال الواضح خلال تفشّي تلك الجائحة إلى رجل لا يفهم مسؤوليته الشخصية عن حماية الآخرين أو التزامه بأن يصير قائداً وقدوة.

ومن الواضح أن كل من نظّموا الفعالية التي أجريت في حديقة الزهور علموا أن ترامب قد يعاني بهذه الطريقة. وقد حرصوا على إحاطته بشخصيات داعمة واللعب على نقاط قوته بصفته رئيس مراسم احتفالية. وخلال اللقاء، كان ترامب يرحّب بالمديرين التنفيذيين واحداً تلو الآخر، ويشيد بشركاتهم ويدعوهم للحديث، واتخذ الأمر أجواءً تشبه مؤتمراً أو عشاءً خيرياً.

ونالت شركة وول مرات حظاً من الإشادة نظير وعدها بإتاحة الكثير من أماكن وقوف السيارات المعدّة لإجراء الفحص على الطرق، وهو ما يجري منذ أسابيع في بلدان أخرى. أما خطوط الرحلات البحرية التي تضررت بالأزمة، فقد ذكرت ببعض الحب، إذ قال نائب الرئيس مايك بنس إن الأمريكيين “يعتزون” بها.

ومع ذلك، لم يتمكن المسؤولون التنفيذيون للشركات والمسؤولون الرسميون بالبلاد من التصريح بموعد يتسنى لهم فيه حل المشكلة البسيطة المتمثلة في إعادة ملء مخازنهم بمعقم اليدين ومنتجات التنظيف الأخرى، التي قد تطمئن الناس على الفور أكثر من خطة الإنقاذ المحتملة بشأن شركات الرحلات البحرية. أعني، إذا كان المدير التنفيذي لشركة Walgreens لا يستطيع أن يخبرني متى سيتوفر منتج تطهير الأيدي Purell في متجري المحلي، فلماذا حضر إذاً؟

وعندما سُئل عن القرار الذي أغلق مكتباً في البيت الأبيض معنياً بالجائحة، قال الرئيس إنه لم يتخذ القرار بإغلاق المكتب ولم يتمكّن من كظم غيظه ألا يخبر الصحفية التي طرحت المسألة أنها تفوهت بـ “سؤال حقير”. فهذا هو ترامب الذي نعرفه جميعاً، وهو الشخص الذي ليس لنا الاستماع إليه في ظل هذه اللحظة من الأزمة المحتدمة.

كان هناك ما هو أكثر من ذلك؛ فقد أدلى ترامب بتصريحات كاذبة حول تعامل الرئيس باراك أوباما مع وباء إنفلونزا الخنازير، وأشار بطريقة طفولية إلى أنه “تعلم الكثير عن هذا الأمر خلال الأسبوعين الماضيين”.

لكن الأمريكيين تعلموا الكثير أيضاً، فقد عرفوا أن الرئيس قد فشل في فهم الخطر الذي يواجه المواطنين، أو التصرف حياله، أو في قيادة هادئة وموثوقة وثابتة.

يجب أن يتنحى ترامب جانباً، وربما عليه الذهاب إلى الحجر الصحي لفترة من الوقت، ويسمح للخبراء على غرار أنثوني فوسي وديبورا بيركس بتولي المسؤولية. فلسنا بحاجة إلى رئيس مراسم احتفالية متوتر.

المصدر : عربي بوست