بيروت اليوم

حان وقت رفع البطاقة الحمراء بوجه رياض سلامة

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

يتكوَّن اعتقادٌ راسخٌ لدى دائرة محليّة لبنانيّة، أنّ ما يدور من أزمات داخلية لها علاقة بالدولار وتفرّعاته، هي عبارة عن “أزمةٍ مفتعلةٍ” يُراد منها تأمين ظروفِ إخضاعٍ جديدةٍ مغايرة تمامًا لما جرى اعتماده سابقًا، بعدما ثَبُتَ أنّ سلاح الحرب بالعملات أكثر ايلامًا وتحقيقًا للأهداف من الحرب بواسطة القذائف والصواريخ!

ما يزيد من الظنون، أنّ حضور براثن الأزمات المالية في توقيتٍ “تفاوضيٍّ” واضحٍ، يُعزِّز الاحتمالات صوبَ إمكان اعتبارها أدوات مُعدّة سلفًا، ربّما يسعى البعض لتحويلها من ضغوطاتٍ إلى ورقةِ تفاوض اقليمية، أو في مستوى أقلّ، اعتبارها بمثابة نماذجٍ ترمي إلى تأمين تركيعٍ مزدوجٍ لطرفٍ سياسيٍّ يجد بأنّ عهد رئيس الجمهورية ميشال عون هو أحد التعابير الصريحة عن انتصاراته في الإقليم.

ثمَّة من يُنقّب في أسرار “عزوة الشوارع” يوم الأحد، عن احتمالِ وجودِ جينات تقود إلى المُحرِّك الاساس للدعوة، لكون من يفترض انهم مسؤولون عنها في العلن، أعلنوا صراحة “دخول نماذجٍ أخرى مختلفة” عليها، ما أسّس لتعديلاتٍ على تكوينها، وهو ما يفتح الباب على استثمارٍ آخر من وراء التظاهرات، وترسيخ “عهد عون” كمُسبِّب أساسيّ في إنهيار البلد!

ما يعزِّز هذه الظنون أيضًا، اعتماد فريق مُحدَّدٍ دخلَ إلى التظاهرات “مقنّعًا”، صيحات تطاول عهد رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى تركيز استهدافاته حول البيئة الشيعية حصرًا، حيث أنّ المرجع نفسه لمسَ حضورًا شيعيًّا وازنًا في “التظاهرات البيروتية”، واهتمام وسائل الإعلام بتغطية هذه الظاهرة، مع الاشارة الى أنّها حملت عبارات كُرِّرَت مرارًا بشكلٍ منسّقٍ طاولت مفاهيم “هيهات منّا الذلة” مترافقة مع رسائلٍ صريحةٍ موجَّهة الى حزب الله وأمينه العام، واللافت أنّها كلّها كانت عبارة عن صيحات تقوم وفق المفردات والمفاهيم نفسها.

ويلاحظ، أنّ انفلاش الوضع الى الشارع، أتى مترافقًا ليس فقط مع إتّساعِ تهاوي سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق ما نتج عنه من خضّات ذات “أمن إجتماعي محض”، بل مع مغادرة المبعوث الأميركي لشؤون مراقبة المصارف، مارشال بيلينغسلي.

البعض، من المقرّبين من أصحاب القرار، يشير في مكانٍ ما إلى ضلوعِ “وصفة أميركية” بالشيء الذي حدث طوال الاسبوع الماضي، وأنّ هذا الجانب بات على اعتقادٍ راسخٍ، أنّ ثمة إنغماسًا اميركيًّا واضحًا في الشأن المالي اللبناني حوَّل هذا الأخير إلى رهينة، ويصلح أن يرتقي إلى مستوى “يُشعِل أزمة داخل لبنان”.

وفي الحديثِ عن الازمةِ، يضع هؤلاء في ميزانِ التحليل ثلة نماذجٍ تصلح لبناء الأمور عليها، ومنها أنّ مصرف لبنان لم يتصرَّف حيال مسألة إنهيار سعر صرف الليرة في السوق مقابل الدولار على الرغم من أنها بدأت قبل مدة وجيزة، بل لجأ في مكانٍ إلى تجاهل وجودها، وفي آخر اعتراف متأخر، لكنه حاول رميها على أسبابٍ لا يمكن تصديقها!

وبُعَيْد حضور “الماريشال” الاميركي وتلاوة هذا الأخير “أمر اليوم”، ثبُتَ لدى جانبٍ سياسيٍّ وازنٍ، أنّ “المصرف” يرضخ بالكامل للمطالب الاميركية، حتى أنّه لم يتدخّل في أزمة “الدولار” إلّا بعدما وصلَ الموس إلى ذقن الشارع، فهبّ أعضاء “مؤسسة الدولة العميقة” ولجأوا إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لسؤاله حول ما يجري، مع حثّه على ضرورة التحرّك و”ضبضبة الامور فورًا” فوجد ضالته في يوم الثلاثاء.

كذلك، هناك نماذجٌ كُشِفَ عنها النقاب أخيرًا ولا تُبشر بالخير أبدًا، كمثل فتح باب رفع السرية المصرفية “بشكلٍ ملتوٍ”، إنسجامًا مع مدرجات قانون “FATCA” الأميركي لا القانون اللبناني، شمل مجموعة من أسماءِ رجال الاعمال. وقد جرى التداول بتفاصيلٍ عنهم في رحلات منسَّقة على متن مواقع التواصل الاجتماعي.

أكثر من ذلك، وضع من هم معنيون بمسألة العقوبات، يدهم على أدلّة تفصح عن وجود “إملاءاتٍ أميركيّة” للتعاطي المالي داخل المصارف تتّصل حصرًا بفئة لبنانيّة، إذ تطلب واشنطن الحصول على معلوماتٍ دوريةٍ وكاملةٍ حول النشاط المالي لمجموعةٍ من الأسماءِ، واحاطتها علمًا بحركة هؤلاء المالية، وهو تصرّف أقرب الى رفعِ السرية المصرفية عنهم ووضعها في عهدة السيد الاميركي.

ولا يخفى ايضًا، أنّ مجموعة من النماذج الاخرى تؤشّر الى وجود “اشياءٍ مُبهَمةٍ” يجري التصرّف فيها داخل المصرف وبحريّة بمعزلٍ عن أيّ قوانين، كالسماح للوصي الاميركي وماريشاله، بالاطلاع على مسارِ “تصريف جمال ترست بنك”، من الألف إلى الياء، ومن ضمنه إعطاء صلاحية إليه بالتقرير، وهذا يعني فتح جميع حسابات المصرف أمام ورشة التدقيق الاميركية، مع احاطة حول الوجهات التي ستذهب نحوها تلك الحسابات.

ومن العوامل المقلقة التي جرى وضع اليد عليها، تلك المتصلة بوجود “فرقة فساد اميركية” تحيا بحرية على اجساد المصارف، كنا نسميهم سابقًا وشاة واصبحنا نقول عنهم اليوم عملاء. وعلى رأي مرجع معني بالشؤون المالية، هؤلاء يتحمّلون مسؤولية الاذية التي لحقت بـ”الجمّال”.

ويكشف، أنّ من بين أدوات هذه “الجمعية”، مديرين في المصرف ذاته، أيّ الجمّال، عمِلوا كمخبرين عند “الاعضاء”، حيث أنّ هؤلاء سرَّبوا أرقام حسابات وعمليات تخصّ مؤسسات تابعة لحزب الله وتعود لسنوات خلت، أي قبل تجميدها في المصرف، ثم قاموا بعملية تلفيق إعادة تظهير أنّ هذه الحسابات جارية وتعمل “backdoor” من دون أن يراها احد، ما أسَّس الى تأمين “دليلٍ” احتاجه قرار وضع المصرف على قائمة العقوبات.

ولا ننسى، أنّ نماذجًا عن هذه الحسابات، كان قد تمّ تسريبها قبل أشهرٍ عبر وسائل الإعلام، حيث جرى الادعاء يومها أنّ “الجمّال” انشأ حسابات تعود لـ”هيئة دعم المقاومة الاسلامية” و”مؤسسة الجرحى”.

في كواليس حزب الله، هناك “جردة حساب” تأخذ الكثير من الأمور الواردة أعلاه بعين الاعتبار، جزء منها ما زال يخضع لعمليات التدقيق والتمحيص للوصول الى نتيجة مرضية تجعل الاتهام صافيًا مئة في المئة، وأخرى جرى اعتمادها كقرائن اتهامية تؤكّد شكوك الحزب وحلفائه حول ضلوع المصرف المركزي في عملية “الانصياع” للأميركي، وتقديم معلومات إليه.

لا بل أنّ المقرّبين من الحزب، يؤكِّدون وجود “ضيق صدر” من الحاكم رياض سلامة و”ارتيابٍ” من ادائه، خاصّة في موضوع العقوبات الاميركية وتعاطيه معها، وكيفيّة تناوله موضوع “بنك الجمّال” وتعاطيه معه بعد وضعه على لائحة الإرهاب الأميركيّة، والمساهمات “غير المباشرة” في توفير أجواء “فوضى أهلية” ناتجة عن افتعال أزمة الدولار في السّوق.

لذلك، وبما أنّ الولايات المتحدة أعلنت الحرب المالية على بيئة حزب الله، فعليه أن يقارب المسألة من منظارٍ مختلفٍ، كالاقرار صراحةً، بأنّ ما يطاوله هي “حرب صريحة يحتاج ردّها إلى إشهار سيف المواجهة”.

لكن متى أراد الحزب المواجهة، عليه أولاً رفع البطاقة الحمراء بوجه رياض سلامة. وعلى ذمّة مرجع لبناني رسمي، فإنّ “رفع هذه البطاقة صار أقرب الى الواقع ولا يحتاج سوى إلى اختمار الظروف لا أكثر”.

وعلى حدّ قوله، لدى “فريق المقاومة” الكثير من أوراق القوة الداخلية التي يستطيع المواجهة بها، على أرسها “الاستقرار السياسي لا الامني” الذي يكافح الاميركيّون وغيرهم من أجل فرضه كأمرٍ واقعٍ دائمٍ في لبنان في هذه المرحلة.

عند هذا الكلام يُفتَح أكثر من قوسٍ:

1- هل الحكومة الحالية معنيّة بالتصعيد وهل ستَدفع ثمن المواجهة لاحقًا؟

2- هل يمكن إدراج مفاوضات ترسيم الحدود بندًا على جدول أعمال المواجهة؟

3- هل هناك من إمكانيّة لتغيير تصنيفِ لبنان من “تبريد” إلى “تسخين”؟