العالم اليوم

السعودية لـ’دياب’.. أهلًا بكَ مُعتمرًا

السفير السعودي لدى بيروت الذي كان مزاجه “عَكرًا” من رئيس الحكومة السّابق سعد الحريري، عادَ لترميمِ العلاقاتِ معه على قاعدةِ “العودة عن الخطأ فضيلة”، لكن ليس من دوافعٍ سعوديّة محض بل من أسبابٍ يريدها الحريري، ولا مشكلة عند المملكة في سماعهِ ما دام قد غادرَ نقطة التموضع تحت سيبة التسوية التي جمعته مع حزب الله وجبران باسيل… وهنا الخطأ بعينهِ!

مشكلة السعودية مع جبران باسيل ليست شخصية بقدر ما هي سياسيّة، الأمر نفسه ينطبق على حزب الله ولو أنّ الأزمات بين الجانبَيْن تطغى عليها صفات توحي بأنّها ذات أبعاد أخرى، فهل ما ينسحب على “التيار والحزب” ينسحب على رئيس الحكومة حسان دياب إنطلاقًا من أنهما بمثابةِ شريكَيْن له في الحكم؟

في آخر تواصلٍ جرى بين دياب والرياض بشكلٍ غير مباشرٍ عبر وسيطٍ بصفةِ موفدٍ أرسله الأوّل إلى البلاطِ الملكي، كان الجواب بأن “لا مشكلة شخصية مع دياب”، وببساطةٍ، “المملكة” لا تقيس العلاقة مع رجالاتِ السياسةِ على قواعدٍ شخصيّةٍ بل سياسيّةٍ”.

منذ ذاك الحين، إعتبرَ دياب، أنّ السعودية لا تحمل ضغينة تجاهه وبالتالي يُمكن له “في أيِّ وقتٍ” طلب زيارة وإتمام مراسيمها متى كانت الظروف مناسبة.

ومن شدّة إيمانه بهذه القضية، بادرَ إلى تخصيصِ قناة “العربية” السعودية كأول جهةٍ تأخذ منه تصريحًا بصفته رئيسًا لحكومة لبنان “المُنتَخَبة دستوريًا”، وقد أفصحَ عن رغبته أمامها في القيام بجولةٍ على الدول العربية والخليجية تحديدًا طلبًا لمساعدتها في إخراج لبنان من أزمتهِ الإقتصادية. وما دامَ الجهة سعودية معناه أنّ الوجهة سعودية ايضًا.

في أعقاب التصريح، رَسَمَ اكثر من معلِّقٍ سياسيٍّ داخليٍّ إشارات “إيجابيّة” حوله، إلى جانب هويّةِ الجهة التي وضعَ في صندوقها. وقد سادَ الاعتقاد، بأنّ دياب تقصَّدَ توجيه رسالة إيجابية إلى السعودية عبر أثير قناةٍ تنتمي إلى جيناتها السياسيّة.. فكانت “العربية” عبارة عن صندوقِ بريدٍ يريد دياب عبره إثبات حسن نواياه.

وأصلًا، المقرَّبون من دياب، لم ينقلوا عنه ولو لمرّةٍ حرجًا من السعودية أو غضبًا منها، بل كان يناوب على تخصيصها بمواقفٍ وتصريحاتٍ إيجابيّةٍ في مجالسهِ وصلت في إحدى المرّات إلى وضعها في مصافِ الدول الرائدة عربيًا التي يعوِّل عليها لبنان من أجل إنقاذهِ ويكنُّ هو شخصيًا إحترامًا لها.

لكن بعض المُنَظِّرين، كانوا يحاولون دومًا، رمي “الغشاء” على عينَيْ رئيس مجلس الوزراء محاولين “تعكير” ظروفِ أيّ علاقةٍ ناشئة بينه وبين السعودية، وكان التلميح يسود إلى أنّ السعودية، “لا تنظر إلى دياب بوصفه رئيسًا للحكومة بل مُعقّب تعاملات”.

طبعًا، كلامٌ من هذا الوزن يُحرِج ويُزعِج رئيس الحكومة الذي كان يبادر إلى تجاهلهِ. وفي زمنِ نيلهِ الثقة وبدءِ وصول الدعوات إليه للقيام بجولاتٍ خارجيّةٍ، كان يعوِّل على فعلٍ سعوديٍّ مماثلٍ، لكن الدعوة أتت من قطر وإيران.. وليس من بلادِ الحرَمَيْن.

صحيحٌ أنّ بعض المقرَّبين من دياب نصحوه بتلبيةِ الزيارة إلى قطر وضمِّ عُمان والكويت إليها ثم مصر بعد ذلك حتى تعطي صورةً عن “جولةٍ عربيّةٍ” لكن الصحيح أيضًا، أنّ آخرين نصحوه بعدم تجاوز السعودية أو القيام بـ”سابقةٍ سياسيّةٍ” تتمثل بتدشين رئيس حكومة لبنان “السُنّي” زياراتهِ العربيّة من دولةٍ غير السعودية.. فكيف إذا كانت قطر المحظورة سعوديًا؟

فَهمَ دياب إذًا، أنّ الدعوة إلى “مقاطعةِ السعودية” تمثل فخًا سياسيًا يُعد له سلفًا لذلك، ركن إلى دار الفتوى حين زارها لفهم موقفها. وكما يُنقل في كواليس “المفتي” لم يتردَّد صاحب السماحةِ في الإشارة إلى رغبةِ “البيت السُنّي اللبناني” ومن ضمنهِ الحريري بنجاحِ الحكومة في مهمّتها من أجل انقاذِ البلاد، وهذا لا يُمكن أن تُعاكسه السعودية.. ففهم أنّ الواقعية السياسيّة في هذه الحالة تطغى على ما عداها.

تأسيسًا على هذا الموقف، بادرَ دياب عبر المكلَّفين من قبلهِ، لإجراءِ عمليّةِ تقصّي حقائقٍ حول مدى قبول زياراتٍ يجريها إلى الدول العربية. قطر رحَّبَت بصفتها “دولة مانحة” للزيارة، عمان قالت أهلًا وسهلًا. أما أجواء الكويت ومصر ضبابيّة بعض الشيء ربطًا بالموقفِ السعودي ربما الذي لم يكن واضحًا بعد، وقد جاءت الأجوبة مُبهَمة وعلى وزن “قرِّرؤوسنرى”.

بالتالي، عَلِمَ دياب، أنّ الممرَّ إلى الدول العربية لا بدّ وأن يأتيَ من وضوحٍ في موقفِ السعودية التي ما زال سفيرها لدى لبنان وليد بخاري يتعاطى مع دياب “كشخصٍ غير موجودٍ” عنوة عن سائر الشخصياتِ، وهنا كان السؤال: هل يمثل موقف بخاري إنعكاسًا للموقفِ الرسمي السعودي أم أنّه اجتهادٌ شخصيٌّ من وزيرٍ مفوضٍ لدولتهِ في لبنان؟

الإجابة عن هذا السؤال معقَّدَة بعض الشيء بسبب الضبابيّة السعودية، فكان لا بدّ لدياب من سلوكِ طرقاتٍ أخرى من أجل فهم حقيقةِ الموقفِ السعودي حتى يأتيه الجواب لاحقًا أنّ المملكة ترحِّب به بين ربوعها لتأديةِ العمرة!… وفي الاعتمار خلعٌ للرداءِ السياسي، ففهم في الوسط أنّ زيارة السعودية غير متاحةٍ بالشق السياسي حاليًا.

الآن، كيف سيكون موقف دياب؟ هل سيعود عن قراره عدم القيام بجولةٍ عربية ما دامت السعودية غير مُدرَجَةٍ ضمنها؟ هل سيرفع من قدرةِ ودرجةِ الوساطات؟ أو سيمضي إلى العمرة متقرِّبًا من الله، وعسى في الدعاء أن يأتي خيرًا..!

المصدر : عبدالله قمح – ليبانون ديبايت